قانون الدَّين العام العماني

 

محمد السالمي

خلال الأيام القليلة الماضية، أصدرت وكالة التصنيفات الائتمانية "ستاندرد آند بورز" احتمال تخفيض التصنيف الائتماني للسلطنة، بعد اعتمادها بشكل متزايد على الاقتراض، وارتفاع الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات مرتفعة، إلى ما يقارب 50%، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 64% بحلول العام 2022، وعلى الرغم من أن الدين ارتفع بشكل متسارع، لا تزال نسبة الدين العام في مستوى جيد، ولكن في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، من الممكن أن تتفاقم الضغوط على الاقتصاد العماني مع زيادة العائدات على السندات.

وصول السلطنة لهذه المرحلة العالية من الدين العام أمرٌ يثير التساؤل، كيف وصلنا لهذه المرحلة؟ وما الذي يجب عمله لتفادي أزمة ديون مستقبلاً؟ وهل نحن بحاجة لقانون ينظم الدين العام؟

تُقدِم الدول النامية على الاقتراض من الأسواق الدولية لتنمية المشاريع ودعم الاقتصاد؛ وبالتالي -نظريًّا- ينبغي أن يكون هناك ما يكفي من الاحتياطات لدفع الفائدة والاقتراض مرة أخرى دون أي مشكلة. يصبح الدين الخارجي مشكلة وعبئًا عندما يتم تخصيص الموارد المالية أو الاحتياطيات لسداد الفوائد بدلاً من تلبية احتياجات الناس من الخدمات الإنمائية، ودفع وتيرة التنمية. أما في حال السلطنة، ومع تذبذب أسعار النفط خلال السنوات القليلة الماضية، واعتماد الحكومة بشكل رئيس على الإيرادات من المحروقات، إضافة لزيادة المشاريع التنموية، جميعها كان لها دور مهم في توجه الحكومة للاقتراض بنسبة أكبر للتمويل، ولكن ارتفاع مستوى الدين العام بشكل كبير في فترة وجيزة أمرٌ يدعو للإيضاح.

المعلوم أنَّ البنك المركزي له دور بارز في إدارة الدين العام، ولكن لا يوجد في السلطنة إلى الآن قانون لتنظيمه.

فعلى مدى العقدين الماضيين، أقدمتْ العديد من الدول النامية لإصدار قانون لتنظيم ديونها السيادية. ولاريب أنَّ تجربة وممارسات الدول المتقدمة مفيدة بلا شك. وفي المقابل، فإنَّ الأسواق النامية تحتاج إلى حلول مُصمَّمة وفقًا لاحتياجاتها وقيودها. إنَّ الإدارة الجيدة للديون العامة، يُمكن أن تساعد الدول على خفض تكلفة الاقتراض، واحتواء المخاطر المالية، وتطوير سوق ديونها المحلية، ويُمكن أن يقلل أيضًا من التعارضات بين إدارة الديون والسياسة النقدية؛ مما يُسهِّل الحفاظ على الاستقرار المالي.

وفي ضوء هذه الفوائد، من المهم تحديد الأهداف والمكونات التي تشكل من خلالها إستراتيجية سليمة لإدارة الدين العام.. إستراتيجية إدارة الديون هي جزءٌ رئيسي من الإدارة الاقتصادية؛ حيث إنَّه يوفر إطارَ عمل للدائرة المنوطة بإدارة الديون لضمان تلبية احتياجات التمويل الحكومية والتزامات الدفع الخاصة بها بأقل تكلفة ممكنة على المدى المتوسط إلى الطويل، بما يتناسب مع درجة مقبولة من المخاطر. ومن جهة أخرى، يجب أن تتماشى إستراتيجيات إدارة الديون مع سياسة الاقتصاد الكلي للمحافظة على الاستقرار واستدامة النمو.

كما يجب عدم الاكتفاء فقط بإنشاء القانون، وإنما أيضاً أن لا نتجاهل عنصر الشفافية للجمهور؛ حيث يجب فهم الأهداف والتطلعات، والتي من خلالها تتمُّ المسألة للتأكُّد على أن الديون تدار بشكل جيد، دون أن ننسى دورها المهم في زيادة ثقة المستثمرين.

تعليق عبر الفيس بوك