أخلاق المعلم ودورها في عملية التعلم


أ.د/ داود عبد الملك الحدابي
بعد عودتي من الدراسة في بريطانيا وبعد حصولي على درجة الدكتوراة في التربية كانت تراودني رغبة جامحة أن أقوم بدراسة البُعد الأخلاقي لدى المعلم ودوره في عملية التعلم لدى الطلبة لاسيما بعد قراءاتي بأن مايؤثر في عملية التعلم في كلية التربية ليس البرامج والمقررات التي يدرسها الطلبة المعلمين فعند بدئهم في ممارسة المهنة لا يرجعون إلى مادرسوا في كلية التربية بل إلى ممارسات شاهدوها من معلميهم أثناء ما كانوا طلبة في المدارس. فحياتهم مع معلميهم في المدارس هي المؤثرة في أساليب تعليمهم بعد تخرجهم، وليس كليات التربية وبرامج إعدادهم فيها. وهذا يكفي إن صح أن يلزم كليات التربية أن تعيد النظر فيما تقدم لطلبتها.
وأتذكر عند عودتي من بريطانيا أن قمت بالنظر في المقررات وفي ضوء ما توصلت إليه في بحوثي قدمت مقترح لعميد الكلية حينئذٍ بتقليص المقررات التربوية من 38 ساعة معتمدة إلى 12 ساعة معتمدة بحيث تقتصر على المقررات ذات الصلة المباشرة في العملية التعليمية في حجرة الصف الدراسي فقامت الدنيا ولم تقعد؛ لأن الأساتذة في تلك الأيام هم من خارج اليمن وهذا سيعني بالضرورة إلغاء العديد من عقود أعضاء هيئة التدريس. فمات المقترح ورفض جملةً وتفصيلا.
وعودة إلى موضوع أخلاقيات المعلم قمت بتحديد إحدى أمهات الأخلاقيات في بعدي التواضع والتكبر، فقمت مع أحد الزملاء وهو الأستاذ الدكتور محمود عكاشة من جمهورية مصر العربية وأستاذ علم النفس التعليمي في جامعة الإسكندرية بتطوير مقياس لقياس بُعدي التواضع والتكبر لدى المعلمين وبعد تقنين المقياس تم تطبيقه في مدرسة الفرات بمدينة صنعاء وتم تحديد من تتصوره الطالبات بأنهن مدرسات متواضعات ومتكبرات. فتم اختيار عدد من المعلمات وتم اختيار متغير واحد في البداية والذي يمكن أن يكون متغير وسيط للتأثير على التحصيل وهو مستوى التفاعل اللفظي كما يقيسه نظام فلندر - العالم البريطاني.
وتبين من نتائج البحث أن التفاعل اللفظي مُرتفع في حالة من هو متواضع. وهذا يعكس أثر خُلق واحد وهو التواضع في تحسين البيئة الصفية وزيادة التفاعل بين الطلبة والمعلمين لإختفاء عنصر الخوف من المعلمين مما يجعل نسبة مبادرة الطلبة في الأسئلة والاجابات لأسئلة المعلمين عاليةً دون خوفٍ أو وجل. فتصبح العلاقة ودّية ومشجعة فيتحسن مستوى التحصيل وتحقيق مخرجات التعلم بشكل ملحوظ.
فكيف إذا كان المعلمون يتمثلون جميع الأخلاقيات ويمارسونها في حياتهم داخل وخارج حجرة الصف. نعم ستكون النتائج مذهلة. ولكن مما يُؤسف له فإن كليات التربية لا توجد لديها سياسات واضحة تخص هذه المسألة في قبول الطلبة المعلمين. كما أنه لا يوجد اهتمام في اكساب الطلبة هذه الأخلاقيات. بل للأسف تعتبر من الأمور الخاصة والتي لايؤبه لها من قبل مسؤولي برامج إعداد المعلمين قبل وأثناء الخدمة رغم أهميتها. وإذا ما نظرنا أيضاً إلى أنماط الشخصية المناسبة لمن يمتهن التعليم سنجد أيضاً بعض السمات تعتبر حجر الزاوية للمعلم. ومع ذلك أيضاً لا يهتم بهذا الأمر عند اختيار المعلمين. ناهيك عن تدني مستوى الاهتمام باختيار ذوي القدرات العقلية العليا. وأخير لايهتم بمن يتسم بحب المهنة والشغف بممارستها.
فتصور معي معلم قدراته العقلية أدنى وليس لديه رغبة في مهنة التعليم وسماته الشخصية لاتناسب مهنة التعليم ولا يتمثل لأخلاقيات المعلم ماذا تتوقع تكون نتائجه وإنجازاته. سأترك الأمر لرأي القاريء الفطن. إنّ تدني الاهتمام بالمعلم بجميع مكوناته ينعكس في طبيعة المخرجات التعليمة ومستوى التنمية في البلد. مسألة تحتاج إلى نظر وإرادة وعمل. ولا ندرك أثر تدني الاهتمام بهذه القضايا المحورية للمعلم وعلاقتها بمستقبل المجتمع إلا بعد فوات الأوان. فما مارسناه قبل ربع قرن نحصده اليوم... مُعاناة ما بعدها مُعاناة!!!.
رَحِمَ الله من اِعترف بِخَطئه فَصوّبه... ولا يَسْلَمُ بذلك إلا من رَجَحَ عقله، وحَسُنت أخلاقه وحَرِصَ على مستقبل بِلاده.

 

تعليق عبر الفيس بوك