بمشاركة الأمم المتحدة وخبراء من السلطنة والخارج

"منتدى عمان البيئي 2019" يدعو إلى تبني نموذج اقتصادي أخضر لتحقيق الاستدامة والنمو

...
...
...
...
...
...
...
...

◄ التوبي: منتدى عُمان البيئي خطوة على طريق تبني تطبيقات الاقتصاد الأخضر

◄ الطائي: منتدى عمان البيئي ينشد طرح وثيقة بنود استرشادية لدعم التحول للاقتصاد الأخضر

◄ الرواس: حرص سامٍ على التنمية البيئية والموازنة وحماية النظم الإيكولوجية

◄ كفافي: 21 تريليون دولار حجم الاستثمارات الخضراء حول العالم بنمو 50%

الرؤية - مدرين المكتومية

تصوير/ راشد الكندي

رعى معالي محمد بن سالم التوبي وزير البيئة والشؤون المناخية أمس افتتاح أعمال منتدى عمان البيئي في دورته الثالثة، والتي حملت عنوان "الاقتصاد الأخضر.. مستقبل التنمية الآمن"، بمشاركة الدكتور المهندس محمد جمال كفافي رئيس المجلس العالمي للاقتصاد الأخضر، كبير مستشاري الصندوق العالمي للتنمية والتخطيط بالأمم المتحدة.

وشارك في المنتدى- الذي يمثل أحد أبرز مبادرات جريدة الرؤية والفريد من نوعه في السلطنة ويعقد بشراكة استراتيجية مع وزارة البيئة- لفيفٌ من المختصين والمهتمين بالبيئة من داخل وخارج السلطنة.

 

وأكد معالي وزير البيئة والشؤون المناخية راعي افتتاح المنتدى، أنّ المنتدى في دورته الثالثة يدعو لتبني تطبيقات الاقتصاد الأخضر، بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومواصلة المشروعات التنموية المختلفة، بالتوازي مع جهود حماية البيئة. وقال معاليه- في تصريح على هامش رعايته لافتتاح المنتدى- إنّ أوراق العمل والمحاور النقاشية التي يتضمنها المنتدى تعكس حرص اللجنة المنظمة على طرح كافة القضايا المرتبطة بالاقتصاد البيئي، سواء من حيث الممارسات وأفضل التطبيقات، أو من خلال تسليط الضوء على التحديات التي قد تواجه آليات تطبيق هذا النوع من الاقتصاد. ودعا معاليه مؤسسات القطاع الخاص إلى تبني مبادرات تنموية في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات، من أجل تشجيع الأفراد على الإسهام في حماية البيئة، من خلال الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية الضارة بالبيئة، والمشاركة في عمليات إعادة التدوير، وشراء المنتجات القائمة على إعادة التدوير.

وأضاف التوبي أنّ وزارة البيئة والشؤون المناخية تعمل جاهدة على تنفيذ الحملات التوعوية والقيام بمهامها الرقابية، لضمان التزام مختلف المؤسسات والمنشآت بالقوانين البيئية المعمول بها في السلطنة، مشيرا إلى تدشين الوزارة مسابقة "أفضل مبادرة بيئية للتقليل من التلوث البلاستيكي"، وذلك بهدف نشر الوعي ضد هذه الكارثة الصامتة المتمثلة في نفايات البلاستيك والحصول على أفكار وحلول لبدائل البلاستيك وتشجيع إنشاء مصانع وشركات ومجتمع مهتم بإعادة تدوير البلاستيك واستدامة مشاريع إعادة التدوير.

وأبرز التوبي دور الوزارة أيضا في دعم الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة القائمة على تبني أفضل النماذج الخضراء، لافتا إلى إسهامات السلطنة في المؤتمرات والمنتديات الدولية الخاصة بالتغير المناخي والمعاهدات والاتفاقيات التي وقعتها السلطنة في هذا الخصوص.

الجلسة الافتتاحية

وبدأت أعمال المنتدى بكلمة ترحيبية ألقاها المكرم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية والمشرف العام على المنتدى، قال فيها إن منتدى عمان البيئي في دورته الثالثة، ينعقد بعد ما حقق من نجاحات خلال الدورتين الماضيتين، وأسهمت مخرجاته في رفد القطاع البيئي بالرؤى والتوصيات الطموحة التي تسعى لحماية البيئة، وصون مواردها الطبيعية، لا سيما وأننا في عمان نمتلك بيئة ثرية بمواردها الطبيعية، وتنوعا بيولوجيا وأحيائيا متفردا في الخصائص، يستدعي مواصلة بذل الجهود لحمايته والحفاظ عليه، مع استمرار عملية التنمية الشاملة والمستدامة، دون تعارض.

وأوضح الطائي أنّ المنتدى، ومنذ انطلاقته الأولى، حرص على تعزيز الشراكة مع مختلف المؤسسات؛ سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي والدولي أيضا، من منطلق قناعاتنا، بأن العمل المشترك هو السبيل الأوحد لتحقيق النجاحات، وتجاوز أية تحديات تعيق بلوغ الأهداف المرسومة. وإنّه ليسعدنا أن يتواصل التعاون البناء والمثمر مع منظمة الأمم المتحدة؛ من خلال تعزيز التعاون مع الهيئات والمجالس المنضوية تحت عضويتها.

وأشار إلى أنّه في دورة العام الماضي، أسهم التعاون مع مكتب الأمم المتحدة للبيئة لغرب آسيا "UNEP"، في إثراء نقاشات المنتدى، والاستفادة من الزخم المصاحب لأعماله في تسليط الضوء على مفهوم المواطنة البيئية، وكيفية تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين والمقيمين، بضرورة تكاتف الجهود، من أجل حماية البيئة، والحد من الأضرار التي قد تتعرض لها بفعل الممارسات البشرية الخاطئة.

وتابع أنّه في دورة المنتدى لهذا العام، يسعدنا أن يشارك معنا الصندوق العالمي للتنمية والتخطيط بالأمم المتحدة؛ من خلال مشاركة الدكتور المهندس محمد جمال كفافي، كبير مستشاري الصندوق، ورئيس المجلس العالمي للاقتصاد الأخضر، والذي سيثري نقاشات المنتدى بورقة عمل رئيسية، تناقش علاقة الاقتصاد الأخضر بالتنمية.

وزاد قائلا: "إننا في جريدة "الرؤية"، وضمن نهج "إعلام المبادرات"، نولي عناية فائقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، مستلهمين في ذلك، التوجيه السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بضرورة تضافر الجهود، لتحقيق الأهداف الوطنية، ودعم جهود التطوير، والدفع قدمًا بمسيرة التنمية الشاملة إلى الأمام"، مشيرا إلى أنّه من هذا المنطلق تأتي شراكتنا الاستراتيجية مع وزارة البيئة والشؤون المناخية، لترسم بعدًا جديدًا في مستوى التعاون بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.

 

تنمية آمنة

وأكّد الطائي أنّ اللجنة المنظمة للمنتدى حرصت على اختيار موضوع رئيسي هو "الاقتصاد الأخضر.. مستقبل التنمية الآمن"، وذلك بهدف استعراض الفوائد التي يمكن أن نحققها من وراء تبني تطبيقات وأنظمة الاقتصاد الأخضر. واستطرد قائلا: "قبل أن أسلط الضوء على هذه الفوائد، دعوني أقدم تعريفًا مختصرا عن الاقتصاد الأخضر، وهو أحد أنواع الاقتصادات التي تسعى لإحداث التنمية الشاملة والمستدامة، مع ضمان الحفاظ على البيئة وصون مواردها، دون إضرار بمكوناتها الإيكولوجية، أو التسبب في تهديد التوازن البيئي، كما أنّ الاقتصاد الأخضر معني بدعم الجهود الدولية لتحقيق التنمية المستدامة؛ وفي مقدمتها: الأهداف السبعة عشر التي أعلنتها الأمم المتحدة لضمان استدامة التنمية، وقد نجحت بلادنا في إحراز تقدم كبير في تطبيق هذه الأهداف الأممية".

وبيّن الطائي أنّه إذا ما نظرنا لهذه الأهداف، نجد أنّها تتماشى مع غايات الاقتصاد الأخضر؛ فالهدف السادس ينشد توفير المياه النظيفة، وهذا لن يتحقق دون تبني نموذج اقتصادي يحافظ على الموارد البيئية مما قد تتعرض له من تلوث، ونحن في عمان نمتلك نظاما مائيا فريدا من نوعه، وهو نظام الأفلاج؛ لذا فإنّ التحول نحو أنظمة خضراء بات ضرورة لتعزيز جهود الجهات المعنية بحماية وصون موردنا المائي.

وأوضح أيضا أنّ الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، والمتمثل في توليد طاقة نظيفة، والهدف الحادي عشر الداعي لبناء مدن وتأسيس مجتمعات مستدامة، والهدف الثاني عشر "الاستهلاك والإنتاج المسؤولان"، من خلال دعم وتشجيع عمليات إعادة التدوير، وأخيرا الهدف الثالث عشر والخاص بالتغير المناخي، كلها من بين الأهداف التي ترتكز على مفاهيم الاقتصاد الأخضر. وأشار الطائي إلى أنّ الاقتصاد الأخضر يدعم جهود الحد من الاحتباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة الأرض، ومن ثمّ الحيلولة دون تفاقم التأثيرات المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن التغير المناخي، وما ينتج عنه من مهددات يتعين مواجهتها.

وتابع أنّه على هذا الأساس، فإنّ منتدى عمان البيئي في دورته الثالثة، يأمل الوصول إلى وثيقة بنود استرشادية، تضمن دفع الجهود الرامية إلى التحوّل نحو نموذج الاقتصاد الأخضر، القائم على تبني أفضل المعايير البيئية التي تضمن استدامة الموارد، ومواصلة التنمية الشاملة.

وقال الطائي إنّه انطلاقا من الدور الوطني المنوط بنا في جريدة "الرؤية"، ودعما لرسالة منتدى عمان البيئي، يسعدني أن أعلن عن تدشين أول جهاز من نوعه في السلطنة لإعادة تدوير عبوات البلاستيك والزجاج، وفق برنامج مكافآت فورية؛ وذلك بالتعاون والشراكة مع مجموعة تاول الرائدة؛ للإسهام في دعم جهود حماية البيئة، وتشجيع الأفراد والمؤسسات على الممارسات البيئية الإيجابية، التي تساعد على صون الموارد الطبيعية، وحماية البيئة، ومن ثم حماية الكوكب مما يتهدده من مخاطر وتحديات.

إعادة التدوير

وأبرز الطائي ما يحمله قطاع إعادة التدوير من منافع اقتصادية وبيئية، فمن جانب: تساعد على تعزيز الاستدامة وصون البيئة، لكن هناك جانب مهم أيضا يتمثل في ما قد يسهم به قطاع إعادة التدوير في توفير العديد من الفرص الوظيفية، وتوسيع آفاق النمو المستدام، كما أنّ ثمة فرصًا واعدة تنتظر رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فيما يتعلق بأنشطة إعادة التدوير، عبر تأسيس شركات متخصصة، تعمل على تدوير المخلفات، تحقق الربحية المأمولة، وتدعم جهود تعزيز الاستدامة البيئية.

وأعرب الطائي عن أمله في أن يخرج هذا المنتدى ببنود طموحة ضمن الوثيقة الاسترشادية التي ستتشكل في نهاية أعماله، وأن تسهم هذه البنود في دعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتكثيف الجهود الرامية لزيادة معدلات النمو المحافظ على البيئة، والضامن لتحقيق الغايات الإنمائية المنشودة.

واختتم الطائي كلمته بتوجيه الشكر الجزيل إلى معالي محمد بن سالم التوبي الموقر، وزير البيئة والشؤون المناخية، على رعايته الكريمة لأعمال هذا المنتدى، كما شكر جميع الشركاء الاستراتيجيين، والرعاة والداعمين، والمشاركين الذين سيسهمون بأطروحاتهم البناءة في ترجمة تطلعات المنتدى، وتطبيقها على أرض الواقع.

 

التنمية البيئية

إلى ذلك، ألقى سعادة نجيب بن علي الرواس وكيل وزارة البيئة والشؤون المناخية بيان المنتدى، استهله بالإشادة بدور منتدى عمان البيئي في إيجاد حراك تفاعلي مقدر في قطاعنا البيئي بالسلطنة، بفضل ما أولته لهذه المنصة النقاشية من تنوع في العناوين والموضوعات والمحاور المطروحة للنقاش على مدى ثلاثة أعوام، كان "منتدى عمان البيئي" فيها -وبشراكة استراتيجية مع وزارة البيئة والشؤون المناخية- ظهيرا إيجابيا لجهود حكومتنا الرشيدة الساعية للحفاظ على المكون البيئي، والمورد الطبيعي، والتنوع الأحيائي والإيكولوجي بالسلطنة؛ محفوفة برعاية سامية من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بهدف بناء مستقبل مستدام للأجيال الحاضرة والمستقبلية، وفق منهجيات محددة ومسارات واضحة تضمن تحقيق الاستدامة في مختلف النواحي: الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية.

وأضاف الرواس أنّه مع وصول تعداد سكان الأرض إلى 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050 واستمرارية الأنماط الحالية للتنمية، فمن المتوقع أن يرتفع نصيب الفرد من استخدام الموارد الطبيعية بنسبة 70%، لذلك فإنّ الجهود العالمية تتجه إلى العمل على إيجاد وانتهاج سياسات ونظم بديلة ناجعة اقتصاديا، ومتوازنة اجتماعيا ومستدامة بيئيا.

وقال إنّ موضوع الاستدامة بات عنصرا أساسيًا على صعيد الأبحاث العالمية والأجندات السياسية لعدة عقود ولعقود قادمة؛ حيث شكلت الاستدامة أحد أبرز التحديات التي يواجهها العالم في هذا القرن. وبيّن أنّ العلماء والباحثون يصفون أكبر التحديات التي تواجه الاستدامة في القدرة على تحقيق الأهداف الأيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية في آن واحد؛ حيث أرجعوا الأسباب الرئيسية لذلك إلى تعدد الأفكار والمناهج والأساليب المطروحة على الساحة للتطبيق.

وبيّن أنّه في هذا الإطار وفي ظل سعي الحكومات الى تحقيق التنمية والرفاه ونوعية حياة أفضل لشعوبها فإنها تبحث عن حلول عملية لبناء نظم اقتصادية قادرة على تحقيق الأهداف المتعددة لخططها وبرامجها بما يتمشى مع أنظمتها وقدراتها المتفاوتة. وتابع أنّه المتابع لمجالات التنمية والاقتصاد والبيئة سريعا ما يلاحظ التطور منذ عصر النهضة الصناعية وكيف تحولت الأنظار من الرؤى الاقتصادية الأحادية إلى رؤى أكثر شمولا تدرك دور وأهمية البيئة في التنمية الاقتصادية وارتباط ذلك بالجوانب الاجتماعية والقدرة على تحقيق المساواة في تحمل التكاليف والحصول على الفوائد.

واستطرد أنّه من هذا المنطلق بادرت المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالتنمية والبيئة إلى تدارس التجارب والممارسات وصياغة سياسات ومبادئ ومفاهيم تساعد على استدامة النظم الداعمة للحياة على الأرض ومواردها وتحقق في الوقت نفسه آمال وطموحات الإنسان نحو حياة أفضل. وأشار إلى أنّ المبادئ والمفاهيم والسياسات تطورت لتشمل حق الأجيال القادمة في التمتع ببيئة صحية وموارد قادرة على توفير احتياجاتهم لتنمية وبناء مجتمعاتهم بأسلوب أفضل وأكثر تماسكا يشمل جميع الأطياف والفئات، مما أدى إلى ظهور مصطلح ومفهوم "التنمية المستدامة".

وبين أنّه من خلال تلك الجهود، طالعتنا العديد من المسميات والتعريفات التي اعتبرت مسارات واستراتيجيات لتحقيق الاستدامة، ومن ذلك: الاقتصاد الدوار والاقتصاد الأحيائي أو البيولوجي (Bioeconomy)  والنمو الأخضر والاقتصاد الأخضر.

وأوضح أنّ المناهج أو المفاهيم الأربعة سابقة الذكر تشكل مسارات رئيسية لتحقيق الاستدامة سواء على الصعيد الأكاديمي أو صعيد صياغة السياسات والاستراتيجيات.

التوازن البيئي

وأكّد الرواس أنّ السلطنة ومنذ فجر النهضة المباركة أدركت أهمية ترسيخ التوزان بين مقتضيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية النظم البيئية وذلك بفضل الرؤية الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – وتوجيهاته السامية بضرورة وضع المرتكزات الأساسية للعمل البيئي في إطار استراتيجية متكاملة للمنظومة التنموية تأخذ في الاعتبار النهوض بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية وأهميّة المحافظة على النظم البيئية والمناخية وصيانة مواردها الطبيعية من أجل الوصول إلى الاستدامة البيئية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وبيّن أنّ السلطنة اعتمدت مبدأ الالتزام بالمبادئ الأساسية التي أقرّها المجتمع الدولي ونصّت عليها الاتفاقيات الإقليمية والدولية لحماية النظم البيئية والمناخية، وتحقيق الاستدامة البيئية والأهداف العالمية الجديدة للتنمية المستدامة 2030، كما ساندت الجهود الدولية على أساس من التعاون المتواصل والعمل المشترك وتحمل المسؤولية إلى جانب دول العالم الأخرى للمحافظة على سلامة البيئة للأجيال الحاضرة والقادمة.

وتابع أنّه بناءً على ذلك تمّ صياغة مجموعة من السياسات والتوجهات الاستراتيجية التي بنيت على أساس إدماج الأبعاد البيئية في صنع القرار؛ حيث ترجم ذلك على نص المادة (12) من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (101/96) بوضوح على التزام السلطنة بالمحافظة على البيئة وحمايتها ومنع التلوث، كما وضع قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (114/2001) الأسس الرئيسية لدعم هذه السياسة حيث نص على الآتي: "يجب على الجهات التي تقوم بإعداد خطط التنمية واستخدامات الأراضي وتنفيذها، التنسيق مع الوزارة عند إعداد الخطط وقبل البدء وأثناء مراعاة الاعتبارات البيئية في جميع المجالات تحقيقا لمفهوم التنمية المستدامة، وإعطاء الأولوية لمبدأ حماية البيئة ومنع تلوثها".

وأوضح أنّه من هذا المنطلق فإنّ وزارة البيئة والشؤون المناخية تعمل بالتكامل والتنسيق مع القطاعات التنموية المختلفة بالسلطنة لتأكيد إدراج الأبعاد البيئية في الاستراتيجيات والخطط والبرامج المستقبلية ضمانا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة على الصعيد الوطني. وقال إنّ الوزارة تعمل حاليا ضمن الفريق المعني بوضع رؤية "عمان 2040"؛ حيث تشكل الاستدامة وبعض مناهجها الحديثة الإطار العام للرؤى الاستراتيجية للحكومة والتي تتسق مع الأهداف الإنمائية العالمية 2030، كما أنها تعد من البرامج التي يمكن أن تساهم في تحقيق الرؤية المستقبلية للنمو الأخضر في السلطنة والوصول إلى إدارة بيئية رشيدة تستند إلى العلم والابتكار والتكنولوجيا الحديثة بشكل يساهم في تعزيز التنافسية وتنويع الأنشطة الاقتصادية وتوفير فرص عمل جديدة ويحقق الرفاه الاجتماعي بما يضمن أمن الموارد الطبيعية واستدامتها وينسجم مع التوجه العالمي للتأقلم مع ظاهرة التغير المناخي في ظل بيئة صحيّة آمنة خالية من المخاطر للأجيال الحالية والمستقبلية وتحقيق مجموعة من السياسات، منها تقليل البصمة الكربونية بشكل فعّال والانتقال إلى الطاقة المتجددة، وتحقيق استخدام أفضل للموارد من المياه والأرض وموارد الطاقة، وحماية النظم الأيكولوجية واستدامة خدماتها والحفاظ على التنوع الأحيائي والموائل، وتحسين الكفاءة في قطاع الاعمال والصناعة لدعم النمو النظيف، والحماية من تأثيرات التغيرات المناخية وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحقيق مستوى أفضل للبيئة الحضرية، وتقليل إفراز المخلفات وإعادتها إلى الطبيعة، وأخيرا وليس آخر الوصول إلى بناء اقتصاد أخضر.

 

نظم اقتصادية خضراء

وأكّد الرواس أنّ تحديد سرعة وخطوات واتجاهات التحول إلى نظم اقتصادية خضراء يتطلب تحليل متكامل للأوضاع الراهنة والمستقبلية وتحدياتها ومتطلباتها حتى يمكن تحديد متى يكون هذا الانتقال ملائمًا لتحقيق النمو الأخضر. وشدد على أنّ أهداف المفاهيم والمسارات المختلفة لتحقيق الاستدامة تتقاطع بعضها مع البعض الآخر، لذا فقد يكون هناك حاجة إلى الربط بينها بهدف تكاملها للعمل على إيجاد آليات ومعايير توازن فعليا بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وبين أنّ التحول إلى اقتصاد أخضر لابد أن يبنى على أساس سياسات حاكمة على مستوى الدولة ككل كما أنّ هذا التحول يجب أن يشمل كل عمليات الإنتاج والبناء والتوزيع والاستهلاك وما يتطلبه ذلك من تشريعات ونظم وتقنيات وتعليم وتدريب وابتكار، لذا لابد أن يتم التحول بأسلوب تدريجي مدروس.

وأعرب الرواس عن تطلعه إلى تحقيق المزيد من التقدم في هذا الاتجاه والسعي إلى ترويج مفاهيم "رأس المال الطبيعي" وجعل هدف "تحقيق فوائد صافية" هدفا استراتيجيا لتخطيط التنمية من خلال وضع الأطر الفنية والمؤسسية والتشريعية الكفيلة بجعل مفاهيم الاقتصاد الأخضر واقع نعيشه في عمان بما يعزز الجهود المبذولة في ترسيخ مبادئ التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها ضمانا لرفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية.

 

تنمية خضراء

وقدّم المهندس الدكتور محمد جمال كفافي رئيس المجلي العالمي للاقتصاد الأخضر وكبير مستشاري الصندوق العالمي للتنمية والتخطيط بالأمم المتحدة، الكلمة الرئيسية بالمنتدى التي جاءت بعنوان "نحو تنمية اقتصادية خضراء من أجل السلام والرخاء"، أكّد فيها أنّه مع تزايد المخاطر البيئية والمجتمعية لم تعد المفاهيم الاقتصادية "القديمة" التي أهملت البعد البيئي والمجتمعي في التنمية الاقتصادية ملائمة للتحليل الاقتصادي؛ إذ تمّت صياغة مفاهيم اقتصادية "جديدة" (الاقتصاد الأخضر) من أجل تصحيح الاختلالات البيئية والمجتمعية.  وأضاف أنّ حجم الاستثمار الأخضر العالمي تجاوز حاجز 21 تريليون دولار بنمو بلغ 50%، خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط، وتأتى أهميّة ذلك في أنّها تنمية اقتصادية، يضخ فيها النمو في الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وخفض الملوثات ومنع تدهور النظام الإيكولوجي، سعيا لتحقيق التكامل والتوازن بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستدامة، وهي الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أو الإدارية. وقال إنّه من هذا المنطلق يبرُز التساؤل عن موقع البلدان العربية في هذا الاقتصاد الجديد "الاقتصاد الأخضر"، خاصة مع امتلاكهم إمكانات هائلة في هذا الشأن تمكنهم من استغلال تحول العالم بقوة إلى هذا الاتجاه، واقتناص فرصة التوجه العالمي لوضع أسس للتعامل والتفاعل مع هذا الاقتصاد الجديد.

وبين كفافي أنّه من ناحية أخرى ساهم الازدياد المتسارع في السكان والهجرة الداخلية إلى المدن والتوسع العمراني ودعم أسعار السلع والخدمات خلال العقود الماضية، في ازدياد غير مسبوق على الطاقة والغذاء والمياه والموارد الطبيعية الأخرى المعرضة للنضوب في المنطقة العربية؛ حيث إنّ البلدان العربية تستهلك أكثر من ضعف كمية الموارد التي يمكن لأنظمتها الطبيعية إعادة إنتاجها. وتابع أنّه لهذا السبب يوجد العديد من التحديات على مستوى التنمية العربية في مجال الصناعة الخضراء مع الاستخدام غير المُستدام للموارد الطبيعية والطاقة، وضعف مستويات الاقتصاد، وارتفاع معدلات البطالة التي تصل متوسطها قرابة 13%. وأشار إلى أنّ معدل التكلفة السنوية للتدهور البيئي في البلدان العربية يقدر بنحو 150 مليار دولار، أي ما يعادل 9% من مجموع ناتجها المحلي الإجمالي عام 2018.

وشدد كفافي على ضرورة تأمين قرابة 50 مليون وظيفة عربياً بحلول 2020 في ظل غياب الاستفادة من تراكم رأس المال البشري، وانعدام الربط بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي. وأشار إلى أنّ المنطقة العربية تسجل أعلى نسبة نمو سكاني عالمياً، ومن المتوقع أن يصل مجموع السكان فيها إلى 586 مليون نسمة بحلول عام 2050، ما يمثل 6% من سكان الأرض، بما قد يؤدي إلى تزايد الضغط على البيئة عبر زيادة استهلاك الطاقة والمياه والموارد غير المتجددة، وارتفاع التلوث، وزيادة الاستخدام الجائر للموارد المائية والتصحّر وانعدام الأمن الغذائي وندرة المياه، وغيرها.

وأكد أنّه لم يعد هناك خيار للدول العربية سوى تحول اقتصاديات الأنظمة العربية إلى الاقتصاد الخضراء، شريطة تهيئة الحكومات لبيئة عمل أفضل، وتشجيع الاستثمار الأخضر، وتعزيز النشاطات الاقتصادية ذات القيمة المضافة، مما يؤدي إلى زيادة فرص العمل والحدّ من البطالة مع حماية البيئة. وتابع أنّ ذلك يتطلب مزيدًا من النمو الاقتصادي المستدام لتحقيق التوازن بين الاستهلاك والطلب، حتى لا تتسع الفجوة بين المتاح والمطلوب من الموارد خلال السنوات المقبلة في ظل تزايد معدل الاستهلاك عن الإنتاج، وفي ذات السياق تتمحور هذه الدراسة حول فرص واستراتيجيات التنمية الاقتصادية الخضراء من أجل السلام والرخاء.

وتمحوّرت ورقة العمل الرئيسة حول مفاهيم الاقتصاد الأخضر والعائد على الاستثمار للدولة والمجتمع، ومشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، ومشروعات إعادة تدوير المخلفات وتحويلها إلى طاقة، ومشروعات المركبات الكهربائية، إلى جانب التطوير والاستثمار العقاري للمباني والمدن الذكية الخضراء.

وأوصى كفافي بإنشاء برنامج وطني اقتصادي وفقا لمفهوم إدارة سلاسل الإمداد الخضراء لتعزيز الإنتاج الفكري والعلمي والإبداعي، وتنمية القدرات البشرية والربط بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي لمواجهة البطالة وتنويع وزيادة الدخل القومي.

كما دعا إلى إعداد وإصدار قانون للمحاسبة البيئية "المحاسبة الخضراء"، وضريبة البصمة الكربونية، وإدخال النظم المحاسبية الجديدة ضمن حسابات الدخل القومي والناتج المحلي الإجمالي لقياس وتقويم النشاط الاقتصادي.

وطالب كفافي بإدراج المعايير والمواصفات الخضراء في جميع المشتريات والمناقصات والعقود، والمشروعات الحكومية والخاصة، وإضافة مفاهيم وتطبيقات الاقتصاد الأخضر ضمن المناهج الدراسية والبحثية.

وتضمّنت التوصيات إنشاء بنك للاقتصاد الأخضر العربي، ليكون البنك الأول من نوعه في الوطن العربي لتلبية الاحتياجات الاستثمارية والخدمية من حيث التمويل وتوفير المعلومات والدراسات والخبرات اللازمة للمشروعات والاستثمارات الخضراء.

فيما دعت آخر التوصيات إلى إنشاء المركز الوطني العماني للاقتصاد الأخضر لتوحيد وتكامل الجهود بين مختلف الجهات في هذا المجال، وإصدار مؤشرات لقياس نمو الاقتصاد الوطني الأخضر.

تعليق عبر الفيس بوك