أهمية تشديد العقوبات في المسؤولية الطبية

 

جوريه السرور

المستشارة القانونية

تتعالى الأصوات في الساحة الطبية لمحاولة تخفيف مسؤولية الطبيب وإبعاده عن أي مسؤولية مهنية واعتبار ضميره المهني هو الرقيب الوحيد على أداء واجبه المهني، وقد كانت هناك آراء تنادي بإعفاء الطبيب من المسؤولية عن الخطأ الطبي الواقع منه بصفة عامة، استناداً إلى أنّ مهنة الطب لا يمكن أن ترقى وتتقدم دون أن يباح للطبيب الحق المطلق في أمر المريض ولا رقيب عليه في عمله إلا ضميره وعلاوة على أنّ المريض حر في اختيار طبيبه وإن أخطأ الاختيار فلا يلوم إلا نفسه والطبيب يقوم بعمله الذي نتج عنه الخطأ بموجب ترخيص له من الدولة.

على أنّ القضاء رفض ذلك سواء في فرنسا أو مصر واعتبر أنّ الأطباء مسؤولين عن أخطائهم من الناحية الجنائية والمدنية أيضاً.

وهنا لا ننكر دور الطبيب في إنقاذ حياة البشر من الأمراض والآلام إلا أنّ دوره وإبداعه مقبوض الثمن فهو بنجاحه ومهارته لا يقدم خدمات مجانية بل خدمات مأجورة، ومشروطة باتباع الأصول والقواعد الخاصة بمهنة الطب لا يجوز تجاوزها وتعريض الأرواح للخطر.

 لذا كان القانون حازماً في وضع النصوص التي تجرم أي إهمال أو تقصير أو خطأ طبي يقوم به الطبيب تجاه المريض مخالفاً أصول مهنته وقواعدها وقد وردت مسؤولية الطبيب الجزائية في القوانين القديمة مشددة عل سبيل المثال في قانون حمورابي المادة (٢١٨):

(إذا أجرى الطبيب عملية لرجل بسكين وسبب وفاة الرجل أو فتح محجر عين الرجل وأتلف عين الرجل فعليه تقطع يده).

 هذا يؤكد أنّ شعب حضارة وادي الرافدين أدرك أهمية تشديد العقوبة في حال الخطأ الطبي الجسيم وقيام مسؤولية الطبيب الجزائي كونه مؤتمن على روح إنسانية هي أثمن ما في الوجود.

وكذلك وردت مسؤولية الطبيب الجزائية في القانون العماني ضمن نصوص واضحة تناولها قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان والقانون الجزائي حيث تناولت المادة (٢٠) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان رقم (٢٢) لسنة ١٩٩٦م العقوبة الجزائية التي تترتب على من يرتكب من الأطباء أخطاء طبية تخالف هذا القانون وفق النص التالي:

ـ (مع عدم الاخلال بعقوبة أشد ينص عليها قانون آخر يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على ألف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول مهنة الطب على نحو يخالف أحكام هذا القانون).

وعاقب القانون الجزائي كل طبيب خالف لأصول المهنة وسبب وفاة أو عجز لإنسان بسبب إهماله أو عدم أخذ الحيطة والحذر ونلاحظ في نص المادة (٣١٨) من القانون الجزائي تشدد العقوبة في حال كان الفاعل طبيباً 

المادة (٣١٨) 

ـ يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (٣) ثلاث سنوات ولا تزيد على (٥) خمس سنوات كل من أجهض امرأة عمداً بدون رضاها وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن (٥) خمس سنوات ولا تزيد على سبع سنوات إذا كان الجاني أحد مزاولي المهن الطبية.

وإذا أفضى الإجهاض بدون الرضا إلى وفاتها تكون العقوبة مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، فإذا كان الجاني أحد مزاولي المهن الطبية تكون العقوبة مدة لا تقل عن (٧) سنوات ولا تزيد على (١٥) خمسة عشر سنة.

واضح أن إرادة المشرع انصرفت إلى تشديد عقوبة الطبيب لأنه مؤتمن على اتباع أصول مهنته قواعدها بموجب إباحة المشرع له حق التطبيب فبتجاوزه لأصول هذه المهنة أو الخروج عن قواعدها لغايات أخرى يكون ارتكب أكثر من جرم فهو من جانب أضر بالمريض الذي وثق به ومن جانب أخر خالف الأصول والقواعد الطبية التي بموجبها أباح له المشرع التصريح بالتطبيب.

وسار على نهج تشديد العقوبات في المسؤولية الطبية الكثير من الدول وذلك بسبب ازدياد الأخطاء الطبية والإهمال الطبي ولتعزيز ثقة المريض بالطبيب عندما يعلم أن الطبيب مسؤول عنه تحت رقابتين ضميره المهني أولاً وثانياً رقابة القانون المشددة، فوجود قانون خاص بالمسؤولية الطبية وتشديد العقوبات تجاه المسؤولية الطبية سيجعل لأصول وقواعد الطب حصانه تدعم ثقة المرضى بالخدمات الطبية وتخفض من نسبة الأخطاء الطبية.

 

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك