عبيدلي العبيدلي
في خضم ثورة المعلومات والاتصالات التي تجتاح العالم - والوطن العربي ليس حالة استثنائية بينها- تنتاب القارئ العربي وعلى وجه التحديد ذلك القارئ الغيور على لغته التي تعتبر من بين اللغات العالمية الثريّة في محتواها، المحكمة في بنائها؛ ما يمكن أن نطلق عليه نوبة من التشاؤم الممزوجة بأخرى من الألم.
موجة التشاؤم مصدرها، خشيته من سيطرة الموجة العاتية التي سيطرت على لغة المحتوى الإلكتروني، وهي اللغة الإنجليزية التي تستحوذ ما يربو على 60% من محتوى الشبكة العنكبوتية العالمية، وما يزيد على 80% من ذلك المتخصص في العلوم والتكنولوجيا، الأمر الذي ينذر بتراجع اللغات الأخرى، ومن بينها العربية ـ خاصة في صفوف الأجيال الشابة. أمّا المصدر الآخر الذي يقف وراء تلك الموجة فهو خوفه دون تحيز "متعصب" من حرمان من لا يتقن اللغة الإنجليزية أو لا يستمتع بقراءة ما ينشر بها؛ من التطور الذي ينعم به قراء تلك اللغة.
لكن ما يثلج صدر مثل ذلك القارئ الغيور على لغته هو ما بتنا نشهده في فضاء المواد المترجمة، وعلى وجه التحديد من اللغة الإنجليزية، وبالخصوص في مجال الدوريات المتخصصة.
فعلى المستوى العربي، وخاصة في عالم النشر المُتخصص في الدوريات الجادة، والعلمية منها على وجه التحديد، والحديث هنا يقتصر على ما يُنشر باللغة الإنجليزية انحصرت الاجتهادات العربية فيما تنشره "سلسلة الكتب الثقافية الشهرية التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت". وهي سلسلة تصدر في مطلع كل شهر، وصدر العدد الأول منها في شهر يناير عام 1978".
وتقول السلسلة عن نفسها أنّها "تهدف إلى تزويد القارئ بمادة جيّدة من الثقافة تغطي جميع فروع المعرفة، وكذلك ربطه بأحدث التيّارات الفكريّة والثقافية المعاصرة". بمعنى أنّها سلسلة معرفية شاملة في مختلف فروع المعرفة الإنسانية، ولا تحصر نفسها في العلوم والتكنولوجيا.
ومن الكويت أيضًا، نجد النسخة العربية من المجلة الأمريكية، الناطقة باللغة الإنجليزية أيضًا، والمتخصصة، كما يقول عنها عنوانها (Scientific American)، في العلوم، والتي يتولى ترجمة مقالاتها وإصدار النسخة العربية منها "مؤسسة الكويت للتقدم العلمي". تعتبر هذه المجلة من أكثر المجلات المتخصصة في مجال العلوم عراقة، وأقدمها من حيث الصدور، فقد تأسست في العام 1845. وكما هو واضح، من طبيعة محتوى أعدادها". تتميز المجلة بعرضها الشيّق للمواد العلمية. إنّها تمكّن قارئها غير المختص من متابعة تطور معارف عصره العلمية، كما ترفد القارئ المختص بمعرفة شمولية لموضوع تخصصه".
لكن المتجول في فضاء الدوريات العربية المتخصصة، تنتابه موجة تفاؤلية معاكسة للأولى، حين تصادفه النسخة العربية من مجلة "National Geographic". وللعلم، ولقراء الجيل العربي الشاب، فقد كانت مجلة العربي التي صدر العدد الأول منها في الخمسينيات من القرن الماضي، هي محاولة عربية لاقتفاء أثر مجلة "National Geographic". بنكهة عربية مميزة. وقد استمتع قراء جيل تلك الفترة، بمسابقات العربي الشهرية، وتحقيقات سليم زبال الثرية في المحتوى، والمسوقة في العرض.
ويعود إصدار هذه الدورية إلى العام 1888، عندما اجتمع في واشنطن العاصمة، "33 شخصاً يجمعهم طموح جامح لخدمة الشأن العام، من أجل مناقشة "إمكانية تأسيس جمعية تهدف لتوسيع آفاق المعرفة الجغرافية ونشرها عبر العالم".
وللوصول إلى هذا الهدف، "أصدرت الجمعية أول عدد من مجلتها (ناشيونال جيوغرافيك ماغازين) في أكتوبر 1888. واتسم هذا العدد بمستواه الفني العالي وشكله الرشيق، واقتصر توزيعه على الأعضاء المنتمين للجمعية. وبحلول يناير 1896 أصبحت المجلة تصدر بصفة شهرية بعد أن كان صدورها غير منتظم، إذ أقدم مجلس الإدارة على تحديد سعر النسخة الواحدة في الأكشاك في 25 سنتا أميركياً". يقف وراء هذا المشروع الرائد، مؤسسة "أبوظبي للإعلام"، التي تأسّست في العام 2004".
تتولى هذه المؤسسة إصدار مجموعة أخرى من الدوريات، من بين الأهم فيها مجلة "إم آي تي تكنولوجي ريفيو" (MIT Technology Review)، التي يصدرها "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" وهو من أعرق الجامعات الأمريكية المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا. صدر العدد الأول من النسخة العربية في سبتمبر 2108. وقد "حازت مجلَّة تكنولوجي ريفيو (الأم) في سنة 2011 على جائزة Utne Reader في الصحافة المستقلَّة لقاء أفضل تغطية للعلوم والتكنولوجيا". ويأتي ترتيب النسخة العربية في المركز الثامن حول العالم بعد النسخة الإنجليزية والصينية واليابانية والإيطالية والألمانية والإسبانية والأوردية. وتتضمن النسخة العربية جائزة (مبتكرون دون). التي تمنحُ لأفضل المبتكرين العرب الشَّباب كُلَّ عام".
المطبوعة الدورية المتخصصة الأخرى، والتي تصدر نسختها العربية من دبي باسم "العلوم للعموم"، وهي ترجمة للمجلة الأصلية التي تصدر باللغة الإنجليزية باسم "POPULAR SCIENCE"، في إطار تعاوني استراتيجي بين شركة "هيكل للإعلام" ومؤسسة دبي للمستقبل".
تلك كانت جولة خاطفة في مجموعة من الدوريات العربية المترجمة والمتخصصة، والتي اقتصرت جغرافيا على المنطقة الشرقية من البلاد العربية، ولم تمتد كي تشمل بلدان المغرب العربي، التي، لا بد وأن تكون لديها مجموعة أخرى قيمة تضاف إلى القائمة المحصورة في هذه التغطية السريعة.
من جانب آخر، تحصر هذه المراجعة نفسها في تلك الدوريات المترجمة من اللغة الأصلية الأم، وهي الإنجليزية، ومن ثمّ فهي لا تغطي تلك المنقولة عن دوريات أخرى ناطقة بلغات مثل الإسبانية، والفرنسية، وربما الروسية، أو حتى الصينية.
لم يكن القصد من وراء ذلك اقناع القارئ العربي النهم بحصر نفسه فيما هو مترجم من لغات أخرى، فما هو مترجم لا يتجاوز في حجمه نقطة في محيط متلاطم من ثروة علمية غنية ما زلنا نحن العرب لا يصلنا إلا النزر اليسير المترجم منه، في وقت نحن في أمس الحاجة للوصول إلى محتويات ذلك الكنز العظيم.