التعسف في استعمال الحق

 

د. طه زهران

محامي بالمحكمة العليا، مكتب سعيد المعشني للمُحاماة

tahazhran@gmail.com

يُعدُ الشخص مُتعسفاً في استعمال حقه إذا تحققت إحدى الصور التي نصَّت عليها المادة (59) معاملات مدنية بما يلي "يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع. ويكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:

1-  إذا توفَّر قصد التَّعدي.

2-  إذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة.

3-  إذا كانت المنفعة منه لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر.

4-  إذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة.

ويستخلص من هذا النص أنَّ معيار التعسف في استعمال الحق، إما أن يكون معياراً شخصياً، وهذا ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة، وإما أن يكون معياراً موضوعياً وهذا ما تضمنته الفقرات الثانية والثالثة والرابعة منها. كما يُعتبر الضرر الفاحش الذي يلحق بالجار معياراً موضوعياً.

المعيار الشخصي: قصد الإضرار بالغير: يكون الشخص متعسفاً إذا قصد الإضرار بالغير، كمن يبني خطأ في ملكه يقصد حجب النور عن جاره دون أن تتحقق له من ذلك أية فائدة، فهذا العمل يعد داخلا في إطار ملكه واستعمالا لحقه، ولكن إذا تمَّ إثبات توافر قصد الإضرار بالغير اعتبر متعسفاً في استعمال حقه.

وقصد الإضرار بالغير من أظهر صور التعسف في استعمال الحق، فالقانون لا يحمي شخصاً قصد من فعله مجرد الإضرار بالغير. ولتحقق هذه الصورة يجب ألا يترتب على العمل أية منفعة لصاحبه أو يحقق له منفعة تافهة وفي كلتا الحالتين نستخلص نية الإضرار.

المعيار الموضوعي: إذا كان استعمال الحق يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير. ففي هذه الحالة يعتبر الشخص متعسفاً حتى ولو كانت له مصلحة في استعمال حقه على وجه معين، وذلك بالنظر إلى أنَّ هذه المصلحة لا تتناسب مع الضرر الذي يصيب الغير، إذ تكون الفائدة قليلة بالنسبة للضرر. كمن يغرس أشجار عالية لتوفر الظل، ويحجب بذلك النور عن جاره، ويمنعه من استعمال شرفته استعمالا مألوفاً، فيكون متعسفاً في استعمال حقه لأن المصلحة التي يسعى إليها وهي الحصول على الظل قليلة الأهمية بالنسبة للضرر الذي يصيب الغير- وهو عدم استعمال الشرفة – فالصورة تقوم على أساس عدم التوازن بين المصالح المتضاربة لصاحب الحق والغير، فكلما كانت فائدة صاحب الحق أقل من الضرر الذي يصيب الغير أعتبر متعسفاً في استعمال حقه ولو لم يكن عدم التوازن نتيجة قصد الإضرار بالغير.

عدم مشروعية المصلحة: وذلك كاستعمال مالك المنزل لمنزله لغرض مخالف للنظام العام أو الآداب العامة. وقد تكون المصلحة غير مشروعة بصفة غير مُباشرة، مثال رب العمل الذي يستعمل حقه في فصل عامل نتيجة خلافات شخصية بينهما، أو المُؤجر الذي يُطالب المستأجر بإخلاء العين المؤجرة بحجة حاجته للسكن فيها بعد إخفاقه في طلب زيادة الأجرة عمّا يسمح به القانون.

الضرر الفاحش: ويمكن إضافة الضرر الفاحش إلى المعايير السابقة، وقد نصَّ عليه المشرع في النصوص المتعلقة بمضار الجوار غير المألوفة، ويمكن اعتباره تطبيقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي تقتضي بأن يعتبر استعمال الحق تعسفاً إذا ألحق بالغير ضرراً فاحشاً. ومن تطبيقات الضرر الفاحش ما جاء بنص المواد من 801 إلى 804 من قانون المعاملات المدنية. وتطبيقات الضرر الفاحش متعددة فيما يخص مضار الجوار إذ يعتد بالضرر الفاحش ولا ينظر إلى مصلحة صاحب الحق حتى لو كانت جدية، فيجب الحد منها إذا لحق الغير ضرراً فاحشاً .

جزاء التعسف في استعمال الحق: وجزاء التعسف في استعمال الحق قد يكون جزاءً وقائياً وذلك إذا ظهر التعسف في استعمال الحق بصفة واضحة قبل تمامه، فيُمكن منع صاحب الحق من هذا الاستعمال التعسفي.

أما في حالة حدوث التعسف فعلاً فإنِّه يحكم على المتعسف بالتعويض لصالح المتضرر، كما قد يلزم كذلك بإزالة الضرر ذاته كلما كان ذلك ممكناً.

ويرى غالبية فقهاء القانون العرب أنَّ التعسف في استعمال الحق مُستمد من الشريعة الإسلامية أصلاً، وهذه الشريعة لا تقيم المسؤولية في حالة التعدي على أساس الخطأ بل تنظر إليها نظرة موضوعية. فيعتبر التعسف في استعمال الحق مستقلاً عن نظام المسؤولية التقصيرية.

وعلى هذا الأساس أرى أنَّ نطاق نظرية التعسف في استعمال الحق أوسع من نطاق المسؤولية التقصيرية، ومن الأفضل اعتبارها تطبيقاً لقواعد العدالة، فالمبالغة في الشيء حتى ولو كانت في إطار القانون، تؤدي إلى الفوضى وإلى مخالفة القانون، لذا يجب تقييدها ومساءلة الشخص عنها إذا ترتب على هذه المبالغة في استعمال الحق ضرراً للغير، لا سيما لو أخذت تلك المبالغة شكلاً قانونياً مستتراً في صورة قرارات إدارية مخالفة للقانون ومخترقة لحدوده في الوقت الذي تتظاهر فيه بحماية الصالح العام.

تعليق عبر الفيس بوك