طنجة أو جوهرة الشمال

جمال النوفلي

قبل أسبوع، كُنت في مدينة طنجة للمشاركة في أعمال الملتقى الدولي الثالث للشباب والنساء الرائدات، الذي تنظمه الجمعية المغربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحضور ثلة من الباحثين والمثقفين والاقتصادين من مختلف الدول العربية الشقيقة، وبرعاية من كبار المسؤولين في المحافظة.

طبعًا من الطبيعي لرجل عُماني مِثلي أن لا يعرف شيئا عن هذه المدينة، سوى أنها مدينة مغربية تقع بعيدا جدا عنا في أقصى السواحل العربية من جهة الغرب؛ حيث تكون آخر مدينة عربية تغرب عليها الشمس، أي أنها تقابل مدينة صور العمانية التي تقع في أدنى السواحل العربية من جهة الشرق، حيث تكون أول مدينة عربية تشرق عليها الشمس، والعجيب أن المدينتين مع تشابهمها الجغرافي هما أيضا يتشابهان في أشياء عديدة، منها أن كليهما كان مركزا للحضارة الفينيقية في قرون ما قبل الميلاد، وأن كليهما يطل على محيط، المحيط الهندي هنا والمحيط الأطلسي هناك، وأن كليهما يملك ميناء تجاريا مهما في العالم، وكلاهما تعاقبت عليه الحضارات المختلفة، وكلاهما احتل من قبل البرتغال فترة طويلة وكلاهما قاوم البرتغال ثم الإنجليز، وكلاهما به تلال عالية وهضاب مرتفعة جميلة في مواجهة البحر، مع اختلاف بين استغلال العمانيين لهذه الجغرافيا المميزة واستغلال المغاربة لها، والذين حولوها إلى جنات معلقة، وكأنها أحياء مدينة كارليفونيا الأمريكية، مساحات خضراء وملاعب جولف وغابات ومتنزهات متفرقة وملاعب لممارسة كرة القدم وقاعات لتقديم عروض المسرح ولأداء تمارين الرقص والفنون الأخرى، وكلتا المدينتين أيضا تطل على أكثر المياه إنتاجا للسمك في العالم، وكلاهما مغرم بالسفر والموسيقى والأساطير القديمة، وطنجة بالإضافة الى كل ذلك تتميز بموقعها الإستراتيجي المطل على مضيق جبل طارق، المضيق الأكثر حركة على مستوى العالم، وعمان لديها أيضا مضيق مهم وهو مضيق هرمز في محافظة مسندم، المضيق الذي تعبر من خلاله أغلب الصادرات النفطية للعالم.

ولكون طنجة ذات موقع إستراتيجي جدا، فقد أحسنت الحكومة المغربية الاستفادة منه أيما استفادة، فجلعت منها معبرا سهلا بين القارتين الإفريقية والأوروبية، عبر مينائها ومن خلال عباراتها التي تغدو وتروح على إسبانيا دون توقف والذي يمر منه أكثر من مليون سائح سنويا، ثم ربطت المدينة بشبكة من الطرق وسكك القطار السريع بمختلف المدن المغربية الأخرى وبأسعار بسيطة، ثم حولت ميناءها القديم إلى ميناء سياحي، وأنشأت ميناء تجاريا جديدا وكبيرا أسموه "ميناء طنجة المتوسطي"، جعلته خارج المدينة من الجهة الشمالية الشرقية، ويعتبر أكبر ميناء في إفريقيا، وواحدا من أكبرها في البحر الأبيض المتوسط؛ حيث يقع ملاصقا للمنطقة الصناعية الحرة وهي منطقة معفية تماما من الضرائب، وذلك لدعم وحماية بيئة التجارة الحرة فيها، ثم دَعت العالم أجمع والدول الأوروبية تحديدا إلى الاستثمار في طنجة؛ كونها قريبة جدا من السوق الأوروبي وسهل الوصول إليها، وهي أيضا منفذ للسوق الإفريقية ومدخل لكثير من السفن والحاويات البحرية التي تمر عبر مضيق جبل طارق الذي يعتبر أكبر تقاطع للطرق البحرية في العالم، ومدينة طنجة مجهَّزة بكل وسائل النقل الحديث ابتداء من مطارها الدولي وانتهاء بمحطة قطارها السريع (البراق) الذي افتتح قبل نصف عام من الآن فقط، كما أن الأيدي العاملة فيها رخيصة والمعيشة فيها هانئة لطيفة وموفرة لكل سبل الراحة ووسائل الرفاهية والترفيه، وقد استجاب المتستثمرون لهذه الفرص الثمينة والمناخ الجاذب فأنشِئ فيها أول وأكبر مصنع لسيارات رينو الفرنسية... وغيرها من الصناعات الكبرى كالمنسوجات والمواد الكيميائة والمعدنية والمكيانيكية... وغيرها، كما تضاعف عدد السكان خلال السنوات العشر الأخيرة نظرا لتوافر فرص العمل والحياة الآمنة وتضاعف تصديرها للمنتجات المغربية الأخرى الزراعية والسمكية والحرفية وغيرها، وأصبحت اليوم ثاني أكبر مدينة صناعية في المغرب بعد الدار البيضاء.

يقول المغربيون إنَّ أهم أسباب هذه التنمية هو القرارات الحكيمة للملك؛ فبعد أن كان كل شيء في المغرب يدار بطريقة مركزية من العاصمة الرباط، تغيرت السياسة ليصير بإمكان كل محافظة أن تُدير مواردها بنفسها دون الحاجة لأخذ موافقات مركزية.

طبعًا كل ما تحدَّثت به عن طنجة هو مُتحقَّق على أرض الواقع، وليس خُططا مُنتظرة، وليس مؤتمرات ودعايات تسويقية، رغم أنني لم أتحدث عن مواردها الأخرى السياحية والزراعية واللوجستية؛ فمتى يا تُرى سنرى مثل ذلك في مدننا الاقتصادية ذات المواقع الإستراتيجية المهمة؛ مثل: مدينة خصب أو الدقم أو صور أو صحار أو صلالة؟!!

تعليق عبر الفيس بوك