ما وراء الرائي


أحمد راضي جبر | العراق

أناشيد الرائي العتيق الجديد، البدوي الحضري، أشم فيه عطر الجواهري الكبير، وقد تجسد في قصائد الزبيدي ذات الشطرين.  فالزبيدي من الثلة الباقية التي تجيد شعر آبائنا الأولين، عمود الشعر المهدد بالانقراض.
وأجد فيه ريح الحداثة الشعرية بقصائده الحرة ، والنثر الذي تمثل في قصائد " الأيقونات " وهي – لعمري – تعد ابتكاراً له، هذه القصائد التي عكست مهارة الشاعر وتفننه، حتى أصبحت المفردة طوع أنمله.
وورقتي النحوية هذه قائمة على ديوان "أناشيد الرائي" آخر ما جاد به الزبيدي وليس الأخير، انطلقت فيها من منطلقين:
الأول: دلالة الجملة الفعلية، وبما أن الفعل هو لفظ متضمن حدثاً مقروناً بزمنٍ، وبما أن الزمن متغير، فتتغير صورة الفعل تبعاً لذلك الزمن، ولذلك تكون دلالة الجملة الفعلية على الحدث المتجدد والمتغير، فالحدث في الفعلية غير ثابت أو مستقر لدى المتكلم ، ومن أمثلته في ديوان الزبيدي:
 في قصيدته (سأنتظر العراق) العنوان بفعليته دال على أن حدث الانتظار متجدد ومتغير في قرارة المتكلم ، وهذا الانتظار ينتهي بتحقق حلم الشاعر بجمع شمل البلد. يقول في هذه القصيدة:
سأنتظر العراق، متى سيأتي؟     
دهوراً عاشها قلقاً عراقُ
//
تهجر من سوادٍ كان خيراً
فألبسه السواد دمٌ يراقُ
//
تهجر رافداه وما عليه
وأُعْمِلَ في بقيته الخناق
فقلق العراق وتهجير أبنائه وحالة الضيق المعاشة فيه، ليست سمة ثابتة فيه، وإنما حالة طارئة، تعلو تارةً وتذوب أخرى، ولهذه العلة استعمل شاعرنا للتعبير عن هذه المعاني الجملة الفعلية.  سأقتصر الكلام على مشهد واحدٍ من ديوان الزبيدي، وعلى هذه فقس ما سواها.
المنطلق الآخر: دلالة الجملة الاسمية: وهي دالة  على الاستقرار والثبات  كما أشار إلى ذلك الصبان في حاشيته، كما في قوله تعالى : (قالوا سلاماً قال سلامٌ)، فقد دلّ الرفع في قوله (سلام ٌ) على معنى ثبوت السلام، لأنَّ الرفعَ دالٌّ على معنى ثباتِ السَّلامِ لهم دون تجدّدِه وحُدُوثِه . فهي تؤدي وظيفة الاستقرار والثبوت ، لأن الاسم لفظٌ دال على الحدث المجرد من الزمن ، ولذلك لا تتغير صورة الاسم بتغير الجملة ، تبقى صورته واحدة مهما اختلفت صيغة الجملة ، ولذلك استعملها الزبيدي في التعبير والإفصاح عن صفات متجذرة في نفس المتكلم . ومثال على ذلك قوله في قصيدته التي عنونها بـ(إسماعيل) يقول فيها:
فؤادي للعراق فدًى ووقْفُ
وجرحي رايةٌ تصحو وتغفو
فصفة الفداء والتضحية إنما هي علامة مستقرة في نفس الشاعر، لا تتغير بتغير الزمن، وأيضا نجد هذه الدلالة في قوله:
هو العراق عراق العلمِ والأدبِ         
منه ابتدأنا وفيه عصارة الحقبِ
فهو يصف العراق بأنه معين احتوى العلم والأدب، وأضحى قبلة لمن أراد الاغتراف منهما، وهذا المعين لا ينضب، مهما شربوا منه  لا ينقص بل يزداد ، وعطاؤه دائمٌ للجميع.

 

تعليق عبر الفيس بوك