القيمة الزمنية للمال

 

جمال النوفلي

قبل أسبوعين كنت مع صديقي الروائي ألماني الجنسية بدر السويطي في سوق الجمعة في الوادي الكبير، أردت أريه بعض التفاصيل الشعبية الدقيقة الجميلة التي لا يمكن أن يراها في أي سوق آخر في مسقط، فبالنسبة له فإنّ هذه التفاصيل النادرة هي التي تثري لغة الكاتب وخياله، ومن ضمن النوادر التي رأيناها هناك هي عملات قديمة منها عملات عمانية وأخرى أجنبية، ومنها كان الربع ريال القديم الذي ألغي منذ التسعينيات ولم يعد يستخدم اليوم، وسألت البائع بكم سعر ورقة الربع ريال القديمة هذه؟ فقال لي بأنّها بخمسة ريالات. طبعا كرجل يقرأ ويكتب في الاقتصاد لم أستغرب ذلك مطلقا فلعلها بعد فترة زمنية أخرى ستصبح قيمة ذلك الربع ريال عشرة ريال وربما مائة ريال وربما أكثر.

الزمن يضيف قيمة إلى المادة، وهذا أمر شائع وأرجو أن يكون مفهوما لدى الجميع، خذ على سبيل المثال المنازل والعقارات، فمنزل قيمته اليوم 50 ألف ريال تصبح قيمته بعد 5 سنوات 60 ألف ريال أو أكثر، والأرض إن اشتريتها اليوم بـ 10 آلاف ريال فإنّ قيمتها قد تصل إلى 15 ألف ريال بعد سنوات وربما أكثر، والأمر ذاته ينطبق على الشركات والمؤسسات وأسهمها وسنداتها فكلما مضى عليها زمن أكبر صارت أقوى وأفضل وقيمتها أعلى، وذات الأمر ينطبق أيضا على الإنسان فالموظف كلما ظل فترة زمنية أطول في عمله ووظيفته فإنه يكسب خبرة عملية أوسع فترتفع قيمته وتزيد امتيازاته ومعاشه وتتنافس عليه المؤسسات الأخرى.

وفي هذا السياق ظهرت هذه النظرية المالية التي نحن بصدد تناولها وشرحها وهي نظرية قديمة جدا تسمى القيمة الزمنية للمال (Time value of money) وقد ابتكرها شخص يدعى مارتن دي أزبيلكيوت Martín de Azpilcueta المتوفى عام 1586م وهو عالم إسباني في مجال القانون والاقتصاد، وتقوم هذه النظرية على ثلاث ركائز هي (المال + الوقت + القيمة) معتبرة أنّ المال ليس له قيمة ثابتة فقيمته تتغير من وقت إلى آخر، وهذا أمر طبيعي ومنطقي كما أسلفنا في مقدمة المقال فالزمن يضيف لكل مادة قيمة، ولأجل توضيح أسهل للنظرية تصور لو أننا عرضنا عليك أن نعطيك 100 ريال الآن أو نعطيك 105 ريالات بعد سنة، فطبيعة الحال سوف تختار أن نعطيك إيّاها الآن بالرغم من أنّ قيمتها بعد عام هي أعلى بنسبة 5%، وربما تفضل أن تأخذها بعد عام متقبلا لجميع فرص وإمكانيات المخاطرة والتنافس. وبشكل معاكس أيضا إذا أعطيتنا مائة ريال اليوم فإن قيمتها إن أعدناها إليك بعد عام ستكون 105 ريال، وفقا للنسبة المئوية التي نتفق عليها، وهي في هذه النظرية ليست زيادة وإنما قيمة فعلية للنقد، مع احتساب فرص وإمكانيات استثماره وتضخيمه.

وعلى هذه النظرية البسيطة تقوم البنوك فهي تتاجر بالمال على أساس القيمة الزمنية، فكلما طال الزمن على المال ارتفعت قيمته وتضاعفت، وعلى هذه النظرية يمكن أيضا لطلاب الاقتصاد فهم معنى التضخم الاقتصادي في اقتصادات بعض الدول.

في الإسلام لا يتم الاعتراف بهذه النظرية لأنها وبكل بساطة تؤسس للربا المحرم شرعا، فالزمن في الإسلام قد يعطي إضافة قيمية للمادة ولكن ليس للنقود، لأن النقود في الإسلام ليست مادة ولا منفعة ولا بضاعة وإنما هي وسيلة للوصول إلى المواد أو المنافع، ويرى الإسلاميون أن اعتبار النقد غاية ومنافعة يتاجر بها هو سبب الفساد المالي والأزمات والمصائب التي تلحق العالم، ولذا فإن منتجات البنوك الإسلامية التي يقدمونها كمؤسسات بديلة عن البنوك التقليدية لا يتم التعامل فيها بالربا مطلقا، فالنقد هو وسيلة يتم التعامل به لأجل تنفيذ عمليات متاجرة مختلفة كالمضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع وغيرها من صيغ التمويل الإسلامي التي سوف نتناولها تفصيلا في مقالات لاحقة.

تعليق عبر الفيس بوك