د. راشد بن علي البلوشي
أستاذ اللغويات المساعد
جامعة السلطان قابوس
غالبا ما نَقْدم على قيادة المركبات ونحن في كامل طاقتنا البدنية وأفضل حالاتنا الإدراكية والنفسية، ولكنْ مِنّا مَن يقوم بقيادة المركبة وهم في حالة من التعب أو الإرهاق، وغيرهم مَن يقوم بالقيادة وهم تحت تأثير مغيبات الإدراك (كالمسكرات والمخدرات). فالفئة الأولى تنصح بأخذ قسط كاف من الراحة، فالصحة والسلامة أهم من أي شيء آخر، والفئة الثانية تنصح بالابتعاد عن مغيبات الإدراك في كل الأحوال وخصوصاً عند الإقدام على قيادة المركبة حتى يتمكنوا من قيادة المركبة والتحكم فيها حتى لا يؤذوا أنفسهم وغيرهم من الأبرياء.
ولكنْ هناك مظهر آخر من مظاهر القيادة السلبية للسيارات، وهو ما نلاحظه على مَن يُقْدم على قيادة السيارة وهم، على ما يبدو، في حالة من الغرور والزهو بالنفس والإعجاب بالمركبة وأحياناً الشعور بالتعالي، لأنهم الأجمل على الطريق أو لأن سياراتهم الأجد (آخر موديل) أو الأقوى (دفع رباعي) أو الأسرع (رياضية) أو الأغلى سعراً (راهية!) أو الأندر (كلاسيكية)، أو لأن ألوانها أو أرقامها أو اكسسواراتها مميزة فيؤثر ذلك وبلا شك على طريقة تعاملهم مع المركبة والطريق ومستخدميه. فنراهم يعبِّرون عن هذا الشعور (السلبي تجاه الطريق ومستخدميه والغرض الأساسي من استعمال المركبة) بالاستعراض، وذلك يكون إما بالسرعة الزائدة (لدرجة تعريض النفس والغير للخطر وربما التسبب في حوادث للآخرين ينجو منها المتسببون أحياناً)، أو بالبطء غير المبرر والذي يعطل الآخرين بلا داعي، أو بالدخول في خط السير بكل بطء و بدون استخدام الإشارات الضوئية أو التحذيرية وبدون الحفاظ على مسافة كافية بينهم وبين مستخدمي الطريق الآخرين، أو باستخدام الطريق دون مراعاة لقواعد المرور، أو بإصدار الضجيج الذي يقلق راحة الآخرين في المناطق السكنية والتجارية، أو برفع صوت المذياع أو المسجل، أو بالسير في مجموعات لا تقبل التفريق، أو باستخدام الهاتف أو غيره من الأجهزة الإلكترونية تعبيراً عن الارتياح التام والثقة العالية. ولكن جل هذه التصرفات إنما هو دليل على الغرور والشعور بالثقة السلبية (هي سلبية لأن نتائجها غالباً ما تكون سلبية).
وإذا كان الغرور والشعور بالفوقية والتعالي صفات ذميمة عند التعامل مع الآخرين في جميع المجالات الاجتماعية (في البيوت والمجالس الاجتماعية والأسواق والمجمعات التجارية والأماكن العامة وغيرها من سياقات التواصل مع الآخرين بما فيها التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي)، فإن هذه المشاعر تكون من أذم الصفات وأمقتها عند التعامل مع الآلات الحديدية التي لا تعقل ولا تميز ولا تفكر ولا تقدر، فهي لا تغفر لمن يخطئ في التعامل معها. ولذلك وجب الحذر في التعامل معها لأن النتيجة غالبا ما تكون على عكس ما نود إذا كان تصرفنا على عكس ما تود هذه الآلات. وذلك لأنه عندما نسيئ استخدام هذه الآلات فإننا نفقد السيطرة عليها (على الأقل جزئياً)، ويكاد يكون هذا أحد قوانين الطبيعة، فإننا نفقد السيطرة على كل شيء عندما نسيئ التعامل معه (بما في ذلك الأشخاص، والحيوانات، أجلّكم الله)، وتلك هي اللحظة التي يحدث فيها ما لا يُحمد عقباه، فإننا عندها لا نكون من يقود السيارة بل تكون هي من يقودنا، وللأسف إلى مهاوي الردى، إلا من رحم ربك.
وإذا كنا ننصح الجميع (وخصوصاً الشباب) بالتحلي بالصبر والتروي والحكمة والإيجابية عموما ونبذ الغرور والتعالي عند التعامل مع الآخرين عندما يتعاملون معهم وجها لوجه وبدون فواصل، فإننا نطالبهم بممارسة أقصى درجات الحكمة والروية والصبر والتأني والعقلانية عندما يتعاملون مع الآخرين من خلال فواصل حديدية متحركة تحكمها قوانين الطبيعة والفيزياء، حيث إنه يصعب التحكم في سلوك هذه الكائنات غير العاقلة (فهي ليست كالبشر الذين يفكرون ويسعون لاتقاء الأخطار) ومعدومة الإحساس (فهي ليست كالحيوانات التي تشعر بالخطر فتحاول تفاديه) عندما تسير بسرعة عالية أو عندما نتصرف بها بطريقة لا تناسب المكان أو الغرض منها. ولذلك فإنها يمكن أن تقود إلى الإصابة أو حتى الموت (لا قدّر الله) إذا أسيء استخدامها، لقائد المركبة الأرعن وكذلك لغيره من الذين يتعامل معهم من خلال المركبة والطريق. ولذلك وجب التنبيه على الجميع بأن يتحلوا بأسمى مشاعر الإيجابية عند قيادة المركبة. فالمشاعر السلبية الآنفة الذكر يمكن أن يكون لها نفس التأثير السلبي على قيادة المركبة الذي يسببه الغضب والتوتر والقلق والاكتئاب والاستياء والتعب والإرهاق وغيرها من الأحاسيس التي تشغل القلب والعقل والجسم. نسأل الله السلامة والعافية للجميع، آمين.