مهندس .. ولكن!

غازي الخالدي 

 

من يشغل وظيفة مهندس أينما كان موقعه وعمله فقد قطع مشوار حياة مقداره خمس سنوات من الدراسة الجامعية متسلحاً بالعلم والمعرفة والمهارات المطلوبة ليتَّجه بعدها للانخراط في سوق العمل بشقيه الحكومي والخاص وعندئذ فهو بحاجة إلى توفر كل السبل التي من شأنها أن تُساعده على القيام بالواجبات المناطة بوظيفته على أكمل وجه حيث إنَّ وظيفة مهندس من الوظائف الفنية التي تحتاج لجهد مُضاعف وكونها تلامس تفاصيل حياة المواطن كالطرق والكهرباء والمياه وغيرها.

لطالما كانت وظيفة مهندس حلماً يُراود كل باحث عن عمل وطالب جامعي ليساهم بكل فاعلية في خدمة وطنه ويتبوء مقعده في وظيفته حالماً بكسب الخبرة والمهارات اللازمة في سوق عمل باتت أكثر تنافسية من قبل ولكن إذا نظرنا إلى واقع المهندس في مختلف تخصصاته ومجالات عمله في بعض المؤسسات وأقصد -هنا المؤسسات الحكومية والخاصة-  فيتحول الحلم الوردي إلى أضغاث أحلام.

لنبدأ مع المهندس الجديد المُباشر لعمله في المؤسسات الحكومية حيث يبدأ عمله ويرتبط مباشرة بالدرجة المالية العاشرة ويرتبط بقانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية من حيث العلاوات والمكافآت والترقيات بيد أنَّ حجم الأعمال المناطة بالمهندس من حيث المشاريع ومُتابعتها والجهد المبذول بها يكاد لا يوازي ما يتقاضاه المهندس ماليًا شهريًا بتلك الدرجة في ظل غياب الترقيات ومحدودية المكافآت التحفيزية والعلاوات التشجيعية، ومن جهة أخرى نرى أن حجم الإنفاق على المشاريع التي يُشرف عليها المهندس يصل في أغلب الأحيان إلى مبالغ مليونية، وهنا يجب أن نقف مع المهندس وقفة صادقة وجادة وأجدها فرصة سانحة لأقترح على المؤسسات الحكومية والخاصة تخصيص نسبة من تكلفة المشروع تصرف للمهندس المسؤول على المشروع أو لفريق العمل من مهندسين وفنيين ولنفترض أن تلك النسبة تعادل 2% من قيمة المشروع وتعمم النسبة على كل القطاعات بلا استثناء. ومن جهة أخرى بات المهندس منتظرا للصعود في السلم الوظيفي فعليه الانتظار لسنوات عدة حتى يحصل على ترقية ويقفز درجة مالية واحدة في ظل متغيرات كثيرة، كما أنَّ الزيادة السنوية –العلاوة الدورية – تشمل كل العاملين بنفس الدرجة وهنا أطرح مقترح استثناء المهندسين من العلاوة الدورية المخصصة للدرجة المالية وإنما تخصيص مبلغ سنوي يضاف لراتبه وتتزايد العلاوة مع سنوات خبرته كما يجب أيضًا استثناء المهندسين من جدول الرواتب الموحد وتخصيص جدول آخر للمهندسين مع الوضع في الاعتبار تصنيف المهندسين من حيث المؤهلات والخبرة كأساس للجدول.

والشيء بالشيء يذكر فمنذ عام 2011 ولا يزال أمر العلاوة الفنية حبيس الأدراج ولم يبت فيها إلى هذه اللحظة وهي علاوة مالية مخصصة للمهندسين العاملين في قطاع الخدمة المدنية وهو حق كفله قانون الخدمة المدنية لشاغلي الوظائف الفنية إلا أن أسباب عدم إقراره تكون غير واضحة وغير مبينة وعليه فعلى مختلف المؤسسات كمجلس الشورى والمؤسسات ذات العلاقة أن تطرح موضوع العلاوة الفنية للمهندسين وفي المُقابل فإنَّ مجلس الخدمة المدنية مطالب اليوم باتخاذ قرار فيما يخص العلاوة الفنية للمهندسين وإقرارها في القريب العاجل.

 

إنَّه من الأهمية بمكان أن يتم تصنيف المهندسين حسب خبراتهم ومؤهلاتهم فمثلاً مهندس تحت التدريب ومهندس مبتدئ ومهندس محترف، مهندس استشاري وهكذا ويتم وضع اعتبارات منها سنوات الخبرة والتطوير المهني للمهندس وهنا أعني بذلك الدورات والورش التي أخذها المهندس لتطوير معارفه. وعليه فإنَّ وجود جهة تعنى بتقييم المهندس ووضع التصنيف والمعايير أمر بالغ الأهمية ويكون بالشراكة بين القطاعين العام والخاص وبالتالي فإنَّ تصنيف المهندسين يخلق حالة من التنافسية مما سينعكس أثره على قطاع الهندسة بشكل عام.

وبالنظر إلى واقع تدريب المهندسين في قطاع الخدمة المدنية مع ما يتوفر في بعض شركات القطاع الخاص فيما يتعلق بالتدريب نجد أن القطاع الخاص أولى اهتماما أكبر بتدريب المهندس وتطويره ووضع له خطة تأهيل متخصصة ومكثفة واضحة المعالم تخصص له موازنات سنوية وتنشئ مراكز تدريبية متخصصة في مختلف التخصصات والمعارف وهي تجربة جديرة بالوقوف عليها ونقلها إلى قطاع الخدمة المدنية.

 إن من أسباب هجرة المهندسين من القطاع الحكومي إلى الخاص الفروقات المالية بين الجانبين وبيئة العمل التنافسية والمزايا الأخرى بيد أن هذا المؤشر –حسب ما أعتقد- في تزايد مستمر مما قد يشكل هجرة للكوادر الفنية المتخصصة من القطاع الحكومي وإذا نظرنا إلى الهجرة من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي نجد أنها قليلة وتكاد تكون معدومة مما يطرح التساؤلات عن إمكانية تقليل الفروقات والامتيازات.

إن الظرفية الزمانية قد حانت لتفادي ما يُمكن تفاديه والأمل معلق بالأخذ بالمقترحات السابقة وإقراراها من حيث العلاوة الفنية واستثناء المهندسين من جدول الرواتب الموحد والأمل معقود على مختلف الجهات بما في ذلك مجلس الخدمة المدنية، كما يجب على مُختلف المؤسسات تغيير توجهاتها تجاه المهندس قدر الإمكان ولعلي أخشى أن تكون وظيفة مهندس بوضعها الحالي منفرة للعاملين بها أو حتى للباحثين عن عمل.

تعليق عبر الفيس بوك