شهرزاد ما بين الماضي والحاضر


د. سناء محمد جعفر | العراق
   وفي الليلة الواحدة بعد الألف توقفت شهرزاد عن الكلام المباح لتسلم راية الكلام لساردات سيأتين في مقبل الزمان، ويبدأن خيط الكلام غير المباح. ربما لم تكن شهرزاد، الحكاءة الأولى، تعرف أشكال هؤلاء الساردات أو الكاتبات أو الشاعرات لكنها في يقيني رأتهن بعين الخيال، وربما زرنها في أحلامها أو مسروداتها القصصية التي أخرجت مارد الكلام من قمقمه وأطلقته حراً في حكي النساء.
شهرزاد العتيقة كانت تقص القصص على شهريار لتنجو من القتل، لتحافظ على رأسها المطلوب قطعه ولتحيا، وفي هذا الرأس تكمن الحكاية كلها.. الرأس بكل مايحمله من دلالات الفاعلية والقدرة على اجتراح المغاير والمختلف، بكل ما فيه من إمكانات الهدم والبناء وإعادة تشكيل الحياة في تجلياته المختلفة، هذا الرأس هو وسيلة المرأة الكاتبة لاستنهاض روحها وإعلاء ذاتها ومساءلة المطمورات الثاوية في الخطاب المجتمعي والتي تكبلها في صورة نمطية ظالمة، وهو نفسه حبل النجاة القادر على انتشالها من هوة التغييب والنسيان والإهمال والظلم.
تكتب شهرزاد المعاصرة في مناخات وتوصيفات ومعطيات تختلف تماماً عن شهرزاد الجدة، كيف وأين ولم ولماذا تكتب؟ وهل الكتابة فعل خلاص؟  
وأنا هنا لا أكتب عن المرأة  لكوني من بنات جنسها ولكن لارسم لوحات إنسانية وأدون حكايات كثيرة تمر من أمام ناظري يوميا وعلى كافة المستويات والتي تثير الأشجان وتجعل  القلم يسابق الحروف  وينقل هما في نفسي:
كيف لي  أن أخدم المرأة من خلال رسمي للكلمات؟
 لا أحد يستطيع أن يشكك في وجود المرأة واهبة الحياة وحاميتها والتي قد تكون عرضة للمدح أو الذم  أو تفدير دورها أو تبخيسه حسب الحاله الاجتماعية والنفسيه لأفراد المجتمع والأساليب المتخلفة في التعامل والتربية والتي تبلورت بمرور الزمن وتحولت إلى عادات وتقاليد وأعراف راسخة أهم من الدين والدستور المكتوب وصار الالتزام بها  أشد وأقوى.
كانت المرأة  كائن ملاحق، منذ القدم وهي هكذا الآن  ملاحقة داخل الكتب وفي الشوارع وداخل البيوت، وحتى عبر المواقع، كائن ملاحق بالحلال والحرام، وبالشهوات، وكائن متهم بـ "الضعف" على أنها غضّة ويسهل كسرها، هذا الامتهان الصارخ لقيمة الأنثى في العقل العربي على اختلاف درجاته، جعل حتى من المرأة الندّ الأساسي للمرأة.. وقد تفاقم هذا بحصر القيم ومحاصرة الأفعال بقوالب الأخلاق، ما أنتج الرغبة العارمة في ممارسة الظلم العارم  فالمشكلة تكمن في الثقافة المغلوطة  للمجتمع.
 فالرجل يتحسس من المرأة إذا ما تفوقت عليه، باستثناء الندرة، وهو الذي يضع طموحاتها كفعل ندي أو تنافسي، بينما أغلب النساء يسعين لتقدير ذواتهن ومقدراتهن ومواهبهن بالاجتهاد والطموح، فمعنى الطموح والنجاح ليس أن تتحول المرأة إلى كائن مسترجل، هذه توهمات أخرى يراد بها قمع النساء وتعنيفهن وتخويفهن حيث بإمكان السيدة المتوازنة أن تكون فاعلة وفي مراكز قوة وتمكين، وهي بكامل أنوثتها وتمام رقتها وطبيعتها، فلا يعقل أن تظل المرأة تتنازل عن مقدراتها ليكمل الرجل مشواره وتحظى هي في الأخير بشرف "امرأة وراء رجل عظيم"، هذا الرجل الذي يعتقد دوماً أن المرأة الطموحة والمندفعة والناجحة ستدخل معه في نديّة أو مماحكة لقيادة السفينة، بينما هي فقط تحتاج لتنجح لأجل ذاتها وليس لتتفوق على شريكها.
"لهذا أستغرب كثيرا من أولئك الذين يجدون دوماً مبررا لهذه الجريمة!! جريمة وأد المرأة، لاتستغربوا من هذه الكلمة؟ لأن أعراض الوأد لم تنتهي لحد الآن، إنه يصدر اليوم في الرفض التام لممارسة النساء الحياة، تحت غلاف سلطات متعددة سرقت غشاوتها من الأديان، فالحديث هنا عن أنصاف المتدينين، الذين يذودون عن حياض الدين وفقاً لتصورات مغلوطة، فلا هم أنصفوا عقولهم ولا أعتقوا الدين من التشويه في مسألة  تحجيم المرأة، وتحويلها من كائن بشري إلى كائن عدمي.
ولايفوتني هنا أن أذكر حقيقة أن ظلم المرأة من جانب الرجل، ليس حكراً على أعراق أو ثقافات، زمان أو مكان. كلا، هو قديم كما قِدم نشوء المجتمعات، لكن الفارق قائم بين أقوام تسعى لأن تغيّر واقعها كله، وليس مجرد التعامل مع المرأة، نحو الأفضل، وبين شعوب تعرقلُ تقدمها، سواء بشأن المرأة أو غيرها، قوى غير راغبة في الإقرار أن الزمن يمضي، والكوكب يتغير، فلا حال الطقس ثابت، ولا البشر كائن جامد.
وقبل مسارعة أحد للقفز المسبق، واستنتاج أن القصد هو تكرار الإعجاب بنموذج الغرب، على حساب القبول بتميّز هوية الشرق، فيما يتعلق بالمرأة، أسارع للقول: إن هذا الأمر غير وارد إطلاقا. كلا، لستُ من محبذي الانبهار بكل مختلفٍ عن تراث الشرق وثقافاته. ثم إن الاختلاف هنا ليس آتياً من دول العالم الصناعي الغربية فقط، بل هناك المختلف الآتي أيضاً من عالم الشرق الأقصى المتقدم صناعياً كذلك، كما اليابان والصين، ثم من دول خارج الفلك الغربي، مثل روسيا، كل هذه المجتمعات تمد البشرية بنماذج تطور عدة، يختلف بعضها عن بعض، لكنها تلتقي في أنها تناهض التشبث بالتخلّف، وتعمل لتحقيق غدٍ.
ولهذا فإننا لن نتغير أبداً أن بقينا متكئين على مقعد الإنانية والسقم فالتغيير لا يتخير أصحابه، التغيير هو ما نسعى لتحقيقه ونطرق له كل الأبواب، لكن للأسف، التذمر والتكيف مع السوء كأمر واقع، هو أفضل مواهبنا كأشخاص في ذيل الحياة.
وفي الختام فإن مشكلة المرأة (وجودها، كيانها ،حضورها المغيب في المجتمع) كانت من جملة المشاكل الشائكة المغرية التي يعالجها البشر منذ زمن بعيد دون الوصول إلى حل مرض على تعدد الحلول واختلافها من زمن إلى زمن ومن مكان لآخر، وقد مرت قضيتها بأطوار عدة لكن الذي يعنينا الآن وضع قضية المرأه وتحديدا في العصر الحديث (عصر النهضة العربية) من ضمن الأولويات في الخطاب المجتمعي.

 

تعليق عبر الفيس بوك