خُطوة على مَسار إحياء "الاقتصاد النظيف"

الغزالي يستقرئ مُحددات الأخلاقيات التنموية في "تأملات"

 

الرؤية - هيثم صلاح

"تأملات في التنمية والأخلاق".. هو العُنوان الذي اختارَه الكاتبُ عمَّار بن حامد الغزالي لأحدث إصداراته لمعرض مسقط للكتاب في دورته الرابعة والعشرين، ضمن إصدارات مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، والذي يُحاول من خلاله مُعَالجة حالة القطيعة الحاصلة اليوم بين كل ما هو اقتصادي وكل ما هو أخلاقي، والتي -بحسب المؤلف- توشك أن تُحدث -إذا ما عُولجت بشكل جدي- شرخًا غائرًا في جدار الاستقرار المجتمعي، بعدما عمَّقت الهوَّة السحيقة بين الطبقات، وأنبتتْ زرع الفساد، الذي حوَّل المال إلى غاية بعدما ظل سنين وسيلة، وأصبغتْ المشروعية على كل سبيلٍ يؤدي إليه، بألاعيب ووسائل فضفاضة في المفاهيم، مخملية في القوام، قابلة للتطويع حسب أهواء وأمزجة القادرين على إيجاد المُبررات.. مُبررات جاهزة، مُعلبة، مصفوفة على الأرفف وفي طي الأدراج، يُخرجونها في الوقت المناسب، مشفوعةً بنظريات تختلفُ في المسميات، وتتفق في استباحة كل ما يروي ظمأ نفوسهم المتعطشة دوماً للمزيد.

والكتاب -الذي صَاغَه الغزالي في صُورة مقالات مُتفرِّقة يُعالج كل واحد منها مُشكلًا تنمويًّا من زاوية أخلاقية- هو خُطوَة على مِضمَار المحاولات الهادفة لإحياء الاقتصاد النظيف، وإعادة الاندماج بين الاقتصاد والأخلاق، لفك قيود التبعية، والعودة لمِحْضن الإنسانية ومنظّم حياة البشر: الشرع الحنيف؛ لاستيضاح موجّهات السماء في مسيرة الاستخلاف وعمارة الأرض، بمقاربات يعقدها الكتاب بين ما كنا عليه وما يجب أن نكونه اليوم.

ففكرة مقالات الكتاب مُؤدَّاها أن ما أصَّلت له الرسالة السماوية من قيم مقاصدية عامة كفيلٌ بمعالجة كل مُشكل، ووصفة علاج لكل تحد، تغطي مساحة هائلة من السلوك الاجتماعي؛ وتَصُفُّ وحدات المجتمع في نسيجٍ متماسك، يحمي أبناءه من التمزق، ويعينهم على الترقي، ويضع نقطة في بداية سطر قصة النهوض للعالم الأول؛ فالغزالي يؤكد من خلال كتابه أنَّ جسَّاسات المراقبة الذاتية، والصدق، والأمانة، والإخلاص، والإتقان، والإنْصاف، والعمل الدؤوب، والوفاء بالعهود، وكثيرًا من الفضائل الأخلاقية التي أُمِرنَا بها، تعلي جدار الأمان الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، وتدفع نحو الجهْد الباذل والعمل لهدف واحد: تحقيق الرخاء الاقتصادي، وضمان التوزيع العادل للثروات، والارتقاء بالمجتمعات، وترسيخ قيم الحوكمة وأخلاقيات العلم والعمل، وهو ما يعرف اليوْم اختصارًا بـ"التنمية الشاملة المستدامة".

ويستدلُّ الغزالي على الفكرة الرئيسية لكتابه بأنَّ ما نادتْ به النيوليبرالية ولا تزال، يستحيل أن يجتمع ومواثيق حقوق الإنسان، وأنَّ ما تُدافِع عنه الرأسمالية اليوم -وكل يوم- من مبادئ إنسانية، تخونه في أول اختبار يظهر هشاشتها، وما تتبناه الاشتراكية وما يدور في فلكها، يخرج عن جاذبيتها مع أول دوْرة اقتصادية.. وبين هذه وتلك، تتكسر أضْعف حلقة في المنظومة؛ وهي: الإنسان العادي، وتتلاعب قِلة شرِهة بمصِيره، الذي يؤول به في نهاية الطريق إلى نفق مُظلم تحيط به دوامة السعي الدائم وراء اللا شيء اللهم سوى "لقمة العيش" لسد الرمق.

و"تأملات في التنمية والأخلاق" يقع في 125 صفحة، ومعروض بجناح مؤسسة الرؤيا (3D 12).

تعليق عبر الفيس بوك