باقة ورد.. قصة قصيرة


شاهيناز الفقي | مصر

اليوم فرح هناء ابنة عمتي ارتديت أشيك فساتيني تزينت وتعطرت، عند باب الشقة نظرت لي أمي بكل فخر ورفعت رأسها للسماء وكأنها تحمد الله على تلك النعمة التي هي أنا، تدعو بما يتمناه قلبها وهو زواجي رغم أنى لم أتعدَ السابعة عشر.
 في السيارة كانت أمي تعيد وتزيد في نصائحها الذهبية للحصول على العريس اللقطة: -
-    خليكي رقيقة.. حركتك بحساب.. اقرصي بنت عمتك في ركبتها..  أوعي تنسي بوكيه الورد لما ترميه العروسة لازم تمسكيه.. بيقولوا  اللي بتاخده بتتجوز بعدها على طول.  
ضحكت من طيبة أمي وحاولت إقناعها أن الأمر بسيط، مجرد باقة ورد ليس لها علاقة بزواج أو خلافه لكن دون جدوى فاضطررت أن أنفذ نصائحها بدقة، عندما وقفت العروس وأعطتنا ظهرها لإلقاء الباقة، وقفت في الخلف وحاولت أن ألتقطها إلا إن تلك الفتاة السمراء الطويلة استطاعت أن تفعل ذلك برشاقة ومهارة كبيرة.
عاتبتني أمي على تخاذلي وشعرتُ بالهزيمة التي أرجعت سببها للحذاء ذا الكعب الذي كنت أرتديه. وعدت أمي أنني سوف ألتقطها في فرح فيفي ابنة خالي، نظرت لي أمي شذراً فقد كان فرح فيفي بعد عامين من اليوم.
تمر الأيام سريعاً وها نحن اليوم في فرح فيفي ولم أنس هزيمتي السابقة بسبب الحذاء، تعمدت أن أرتدي واحداً بلا كعب وتنازلت عن كامل الشياكة في سبيل التقاط الورد من العروس. وقفت أول الصف بتحفز في انتظار تلك اللحظة الحاسمة التي ألتقطه فيها وأسعد أمي وألحق العروس بزيجة سريعة.
أقسمت لأمي إنني حاولت ولكن تلك الفتاة البدينة التي ترتدي الفستان الأحمر كانت تغش وبعد أن هممت بالتقاط الباقة جذبتني لتوقعني أرضاً وتلتقطها هي. حاولت إقناعها أنني دخلت منافسة غير شريفة لكنها لم تقتنع، نظراتها كانت تحمل اتهاماً بالتخاذل والاستهتار لم أحتملهما فانفجرت باكية ووعدتها في المرة القادمة لن تحصل عليها فتاة غيري.
 سنوات مضت قبل أن يدعوني أحدهم لزفافه، زفاف سليم ابن أخي وقد عقدت العزم أن استغل هذه الفرصة وقد تجاوز عمري الخامسة والثلاثين، وفي تلك المرة أيضاً حاولت
ولكن يبدو أني لم أحسن اختيار الفستان الذي كان ضيقاً و قد أثر على حركتي وأنا أجري فالتوت قدمي وكانت النتيجة أن ظلت قدمي في الجبيرة  لمد شهر.
جلست أمي في نهاية القاعة وقد وهن نظرها وضعف سمعها، وبلغت أنا السابعة والأربعين من عمري، أخذت كل احتياطاتي فارتديت فستانًا واسعًا وحذاءً بلا كعب ولم املأ بطني بالطعام، خلعت نظارتي وشمرت أكمامي، كنت مصرة أن أحصل اليوم على تلك الباقة اللعينة، وقد تحول الأمر لتحدي بيني وبينها، ليس للأمر علاقة بزواج بقدر ماهي منافسة بيني وبين كل تلك الفتيات الشابات، كيف يتفوقن على وليس لديهن نصف خبرتي في هذا الشأن.
 وقفت في الخلف وما إن القت العروسة باقة الورد حتي جريت وقفزت قفزة ثلاثية لا تتناسب وعمري، استدرت مرتين في الهواء قبل أن المح تلك الشقراء وهي تمد يدها لالتقاطها، دفعتها بكتفي الأيمن دفعة شديدة، أمسكت بها وأنا أحلق، أطبقت يدي عليها بشدة قبل أن أسقط على جانبي الأيسر، أخيراً استطعت الحصول على باقة العروس، هكذا هي الحياة لابد من المثابرة والصبر حتى ننال ما نتمنى، نظرت لأمي وقد تقدم بها العمر ووهنت صحتها، كانت تجلس في نهاية القاعة بعيداً عن زحام الفرح، ابتسمت لها وأنا أهديها باقة الورد، لم تتغير نظرة العتاب في عينيها لكن هذه المرة اختلطت ببعض الشفقة و المرارة.

 

تعليق عبر الفيس بوك