الشّاي بالزّعتر


أريج سعود | سوريا

" أنْ تولَدي أُنْثى ..
هيَ لَعْنةٌ أبَديَّةٌ "
" أنْ تَعْرِفي رَجُلاً واحِداً ،
كأنّما عَرَفتِ كلَّ الرِّجال "
كانَتْ تَقولُ صَديقَتي المُقرَّبَةُ..
ساخِرَةً بِحُزْنٍ يعادِلُ عَجَبي
ذلكَ العَجَبُ الّذي تلاشى
لحْظةَ الحَرب !
مَدينَةٌ لَهَا بِاعتِذارٍ عَظيْمٍ .. صَديْقَتي
مَدينَةٌ للمَرايا الَّتي أهْدَتْني إيَّاها أُمِّي
قَبْلَ أنْ يَفقدَ * الزَّعتَرُ * رائِحتَهُ الشَّافيَة
وَ لَذْعتَهُ العاشِقة
فَفي بِلادي
في الشَّارعِ المُوازي للحَرْبِ
تَصْطفُّ النِّساءُ أهْدافاً
لِرصاصِ الوَقتِ المَسمُوم
مِنْهنَّ مَن تَموتُ بالوحْدةِ
وَ مِنهُنَّ مَن تَفقدُ رائِحَتها واقِفةً
لا يَردُّ حرَّ الشَّمْسِ عَن دِماغِها
سِوى كَفٍّ يَتَرقَّب !
أعْرِفُ طفلَةً، أصبحَتً أمَّاً دُفعةً واحِدةً
عِندَما دَفنَتْ عائِلتَها بِأكْملِها ،
دُفْعةً واحِدة
وَ جَارتُنَا .. فَقَدتْ ساعَتَها
عَلى شاهِدَةِ قبْرٍ
لَمْ تَعرِفْ مَنْ دُفِنَ فيهِ بَعْد

أمّا الرِّجالُ…
مَن عادَ مِنهُم إلى مَاضيْهِ ،
عادَ كَثيراً
عادَ مُتَأخِّراً جِدّاً ..
أوْ أخْطأَ عُنوانَهُ ، فماتَ مَرَّتَينِ
أو رُبّما أكثَر ..
أيْنَ أنتِ يا صديقَتي لأخبِرَكِ
لَم يُكنْ كُلُّ الرِّجالِ رِجالاً
قِلّةٌ قَليلة ، مَنْ أطفأتْ شَهوةَ الأرضِ
للدّمّ
قليلونَ مَن أصبَحوا عَجائزَ ، بتَجاعيدَ ظاهِرةٍ
كَثيْرونَ مَن أبْدعوا في قَتلِ مَن أحَبّوهُم
شَوقاً .!
مَحظوظٌ جِدّاً يا صَديقَتي
مَن يَحتفِظُ بمرآةِ أمِّهِ القديمَة
المَرايا الّتي يَصنَعونَها لنَا اليَومَ
بِرِمالِ الدَّمّ ، وَ رائِحَةِ البارودِ
لا تَثِقُ بِنا .!
مَحظوظٌ أكثَر ، مَن يَجدُ أحَداً غيرَ المرايا
يَغسلُ جِلدَهُ أمامَهُ
مِن زَيفِ الحَياةِ
وَ يتَعرّى بِلا أدْنى خَجلٍ ، من فَرحِهِ القَبيح
يَجلسُ بمَوتِ روحِهِ الكامِلِ
بِلا وَجَلٍ
يَحتَسي مَعهُ مَساءً
كوباً مِن * شَاي الزَّعتر *
كي يَبكي دُونَ اخْتناقٍ
وَ حشْرَجة …!

 

تعليق عبر الفيس بوك