جَودة التعليم في مرحلة رياض الأطفال

عمرو عبدالعظيم

 

تتميَّز مرحلة الطفولة المبكِّرة بخصائص نفسية وبيولوجية شديدة الحساسية، والتي تتطلب حرصًا شديدًا في التعامل مع أطفال هذه المرحلة، والتفاعل معهم وتعليمهم بشكل فعال يُسهم في النمو العقلي والمعرفي والتفاعل العاطفي والاجتماعي، والنمو الجسدي السليم الذي يُحقِّق تكاملاً في الشخصية، ونمواً في جميع جوانبها.. وتختصُّ هذه المرحلة في الجانب التعليمي بأهمية كبرى؛ حيث تمثل الركيزة والمنطلق الأساسي للطفل في المراحل اللاحقة، وتسمى هذه المرحلة في السُّلم التعليمي بمرحلة التعليم قبل المدرسي، أو مرحلة رياض الأطفال، والتي تسبق المرحلة الأولى من التعليم الأساسي؛ حيث تعد الطفل للالتحاق بالصف الأول بعد الحصول على بعض المعارف والمهارات اللغوية والرياضية بنموٍّ في الذكاء الانفعالي واتساعٍ في الخيال الفكري لدى طفل هذه المرحلة، وتكوُّن بعض العادات الإيجابية نحو التعلم ونحو الدراسة والمدرسة.

وإذا نظرنا إلى تطبيق نظام الجودة في التعليم ما قبل المدرسي، فلابد لنا من معرفة معايير هذا النظام وكيفية تطبيقها وتقييم نتائجها والتغلب على تحدياتها؛ حيث يتجه العالم حالياً إلى تطبيق نظام الجودة الشاملة في العديد من القطاعات وأهمها التعليم، وتسعى جميع المؤسسات التعليمية للحصول على قيمة مضافة وتنافسية من خلال تطبيق أنظمة الجودة، للتمكن من المنافسة القوية والتوسع في برامجها وتجويد مخرجاتها، ومن هذا المبدأ فقد توالى الاهتمام بنظام الجودة وأطلق العديد من الخبراء على عصرنا اليوم عصر الجودة.

وعندما نتناول العناصر والمكونات التي تبنى عليها برامج التعليم قبل المدرسي عالية الجودة، فمن وجهة نظر عدة دراسات أجنبية تؤكد أنه إذا تمكنا من توفير تلك العناصر وهذا البناء المتكامل لبرامج التعليم لمرحلة الطفولة المبكرة، نضمن أنها ستكون على مستوى عالٍ من الجودة والفاعلية، وتتخلص أهم تلك المكونات لهذه البرامج في العناصر التالية: منهج ومعايير التعليم قبل المدرسي موجهة للطفل بشكل كامل وملائِمة لنموه ومطبقة بفاعلية تامة، وتقييمات لجميع جوانب النمو لدى الأطفال تعليميًّا وجسديًّا والفهم العاطفي والتفاعل الاجتماعي؛ حيث تساعد تلك التقييمات في التخطيط التعليمي الفعال، وتأهيل المعلمين وإعدادهم قبل التعيين يوفر فرصة تواصل وترابط داخل الصف الدراسي ويخلق بيئة تعليمية فاعلة، ودعم وتدريب وتقييم المعلمين باستمرار خلال سنوات العمل، ودعم للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، والتواصل الفاعل للأسرة مع المدرسة، وأحجام الفصول الدراسية وعدد الطلاب بها مقابل عدد المعلمين، وجودة التنظيم وتفاعل الصف الدراسي، وتنفيذ جيد لتصنيف الجودة ونظام التحسين المستمر.

وعندما نلقِي الضوء على عملية التواصل بين أولياء الأمور والروضة، نجد فيه الأهمية الكبرى التي تجعله فعالاً مثمراً له أثر إيجابي في تقدم تعلم طفل رياض الأطفال وتحقيق نموه العاطفي والاجتماعي تكاملاً مع نموه الجسدي العقلي المستمر، ولكن لابد لهذا التواصل من محددات وأركان رئيسية أرى من وجهة نظري أن المدرسة لابد أن توضحها بشكل كاف من حيث آلية التواصل وهدفه وقنواته ومدى توظيفه في الطريق الصحيح لخدمة البرامج التعليمية، وتحديد الآثار السلبية الناتجة عن ضعف هذا التواصل على الطفل وتقدمه التعليمي وتطوره النفسي والعاطفي، وتخصيص وقت كافي للتعلم.

وفيما يخص إدارة التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، فلابد من وجود خطة أو معيار لتطبيق نظام الجودة في مجال الإدارة التعليمية لمرحلة الطفولة المبكرة، فإدارة الروضة تحتاج أيضاً لمعايير جودة شاملة في جميع المهام الموكلة إليها من إدارة ودعم التعليم والتعلم، ومساعدة الطفل على تكوين الشخصية السوية المتكاملة.

فالإدارة المدرسية على رأس الهرم لهذه المنظومة التعليمية، بل أكاد أجزم بأنه وإن لم تطبيق الجودة بمعاييرها على نظام الإدارة المدرسية يصعب تطبيقها على باقي عناصر المنظومة؛ فالإدارة هي المحرك لباقي العناصر ولابد أن تتميز بالجودة والفاعلية لتستطيع تحقيق أهداف المؤسسة المنشودة.

... إنَّ تأهيل المعلمين بشكل فعال يجعلهم يوفرون تواصلا ترابطيا وبيئة صف تدعم التعليم؛ حيث تتوفر في الوطن العربي العديد من كليات التربية المعنية بإعداد المعلمين لجميع المراحل التعليمية، ولديها سياستها في تأهيل وإعداد معلم يحمل مهارات ومعارف تمكنه من التدريس والتعليم الفعال وزيادة مستوى التحصيل الدراسي لدى طلابه؛ لذا فهذا العنصر من عناصر برامج التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة عالية الجودة يسهُل تطبيقه في الوطن العربي ويعد عنصراً أساسيًّا من عناصر منظومة الجودة في التعليم قبل المدرسي في جميع أنحاء العالم، فبدون المعلم الفعّال لا وجود للعملية التعليمية.