علي بن سالم كفيتان
في صبيحة أول يوم عمل كان الرجل متحمساً فلابد من الظهور بمظهر يشرف الوضع الجديد فزار منطقة الحلال الموزع فيها الإبل والأغنام وهنا تفاجأ بالعدد الكبير للقطعان وسيارات البت فورد العملاقة وتناكر نقل المياه وعدد الرعيان فقال في نفسه: يا لهول المهمة كل هذه الرؤوس التي تمشي معها الأرض أنا المسؤول عنها!!! فأنا في ظفار لا امتلك إلا جملا وبضع بقرات!! وعند قدومه أتاه الرعيان وهم يقولون المهري الجديد جاء لكن راعهم هيئته فالرجل طويل وضخم وعليه مسحة كبرياء رسمتها جدائل الشعر المتدلية من كتفيه فسلم عليهم بكل تواضع وتجول معهم للتعرف على وضع الماشية فهناك جمل مربوط وآخر طليق والإبل مقسمة حسب الحليب والمزاينة وركاب السباق والغنم لا حصر لها ولا عدد وجلها مملوكة للمعزبة الشيخة نور والرعيان يخافون منها ويقولون المعزبة ورثت هذا الحلال كله من أبيها وتمر يومين في الأسبوع لتطمئن على الغنم ولا تفوتها لا شاردة ولا واردة في الحلال ومع أنها تجزل العطية إلا أنها شديدة وحريصة على وضع حلالها، أما الشيخ حمد فهو راعي الإبل هو وأخواه وبعض أولاد عمه وفي آخر المكان حظائر لكلاب الرعي والصيد وأوكار الصقور مع أدوات صيد البر من سيارات وغيرها.
وعند عودته لمجلس الشيخ استوقفته حرمة قالت إنها من عُمان وتقوم على رعاية أبناء الأمير وتساعد في أعمال المنزل وإنها مكلفة تشوفه البقر وهنا فرح الرجل وأخيرًا ممكن نشوف بقر في زحمة هذه الكثافة الحيوانية فإذا بها بضع بقرات في زريبة ضيقة ووضع مزرٍ قالت له السيدة الحليب يتم وضعه في هذه الثلاجة بالقرب من المجلس والمواعين ستكون نظيفة هنا كل صباح وذهبت إلى عملها وهنا وقف أمام الأبقار وتذكر شريط الحياة مجدداً في جبال ظفار رأى الرجال على عين الماء وهم يصيحون لتفويج القطعان إلى الحوض وتذكر نفسه واقفاً كالطود وسط بركة الماء يغرف بتنكته المياه ليروي ظمأ عشرات الأبقار المنتظر في المعاطن تحت حراسة الأطفال إلى أن تنتصف الشمس كل ذلك خطر في تلك اللحظات ولكن الأمر هنا يبدو مختلفاً جداً.
عقب جولته تلك قدم إلى المجلس العام حيث يكون الشيخ أحمد بن علي قد جلس في صحبة رجال متوشحين بالسلاح ومتحزمين بالخناجر البدوية (الشبرية) فسلم عليهم وقام الشيخ ورحب به وأجلسه قريباً منه وعرفه على جلاسه من أصدقائه وأبناء عمه وقال لهم هذا المهري الجديد اللي راح يشرف على الحلال تعرفون الأول سافر لأهله وخلف لنا هذه اللحية الغانمة فتغامز الجلاس بأنَّ هذا المهري عود واجد يعنون رجلا طويلا وضخما قال الشيخ حمد زين عشان الرعيان يعملوا له حساب وقال واحد كبير بالسن رابض في طرف المجلس أبله إن طوله مثل شيخنا وفعلاً كان الرجل يوازي بن ثاني في الطول وبدت عليه علامات الهيبة والوقار لما لبس اللبس البدوي وحط الغترة والعقال وتدلت جدايل شعره ثم أردف الشايب يا شيخ حمد ذا الرجل ما كانه من الجنوب والله إنه من الحجاز فضحك الشيخ وقال يا هلا به من وين ما كان فقطر داره وحنا ربعه.
انفض المجلس لصلاة الظهر وفي الطريق للمسجد همس في أذن الشيخ وقال له وضع البقر يحتاج لتنظيم من حيث المكان ونصحه يشتري بعده كم من رأس فقال له خلاص تم أنت بس بلغ راعي المالية راح أخبره باللي تبي من دراهم حال المكان أما الشراء خله لبعدين بخبرك وفي المساء قدم موسى الذوادي مسؤول المالية للمهري وقال له الشيخ راسلني لك ... أمر طويل العمر فخبره بالمطلوب ومن اليوم الثاني حضر العمال وتم تشييد زرائب جديدة للمواشي وتنظيم الوضع جيداً.
لا زال الرجل مقيماً في الغرفة الداخلية التي استلمها من سلفه ولكنه يتذكر جيداً نصيحته بأن ينتقل للحجرة الخارجية وفي عصر اليوم التالي مرَّ عليه الشيخ بن ثاني وقال له اركب يا المهري فركب ولا يعلم إلى أين الوجهة وأمام هذا الصمت قال الشيخ راح نشوف رجل معاه حلال يريد يبيعه ونريدك معنا نستشيرك فصمت الرجل حتى وصل وكانت نصيحته طيبة بأن الحلال هزيل وثمنه ما مناسب وقد ينقل المرض للقطيع كله فصدقه بن ثاني رغم أن صاحب الحلال زعل وقال للشيخ والله أن هذا الدلخ ما يفهم بالحلال فضحك الشيخ وقفلوا عائدين للمجلس وهناك وجدها فرصة واستأذن الشيخ بالكلام فأذن له فطلب منه أن يخصص له الغرفة الخارجية حيث إنها قريبة إلى المسجد وبعيدة عن أهل البيت فقال له الشيخ أنت ولدنا ونريدك قريب إذا نحب نزهمك تكون قريب فألح عليه فوافق الشيخ وخبر أحد الخويان عشان يبلغ الذوادي من بكره يزهب له الغرفة الخارجية .. وما قصر الرجال من صبيحة اليوم التالي صبغ الغرفة وركب لها مكيف وسرير كبير وكل ما يلزم ونجح الريفي مجدداً في الفكاك من حياة الرسميات داخل بيت الشيخ بن ثاني ... وللحديث بقية بإذن الله.