بحث الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة .. وتأكيد على ضرورة مُعالجة الممارسات الإدارية المعرقلة للعمل

"رؤية 2040" تتلمس المكانة المتوقعة للاقتصاد الوطني على خارطة الاقتصاد العالمي خلال العقدين المقبلين

 

 

◄ كيشور ماهبوباني: "الآسيان" النموذج الأنجح في التكامل الاقتصادي .. والإرادة ومكافحة الفساد تسهل الطريق

◄ عبدالله الحارثي: الصناديق السيادية تسهم في تحقيق أولويات "رؤية 2040"

◄ صالح الحسني: تجربة "الدقم" عالمية في تسهيل الاستثمار

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

 

شهدت الجلسة الحوارية التي حملت عنوان "التعاون والتكامل الاقتصادي وأهميته لتحقيق الرؤية" ضمن أعمال المؤتمر الوطني للرؤية المُستقبلية "عمان 2040"، حضور المئات من العمانيين والأجانب؛ حيث ناقشوا آليات وضع تصور لآفاق الوصول إلى شراكة فاعلة ودور مأمول للاقتصاد العُماني على خارطة الاقتصاد العالمي على مدار العقدين المقبلين وما بعدهما.

وفي بداية الجلسة قدم كيشور ماهبوباني كبير مستشاري (الجامعة والعلاقات العالمية) وأستاذ في ممارسة السياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، عرضًا حول النموذج الذي يرشحه كأحد أهم النماذج الناجحة في مجال التعاون الإقليمي والدولي وهو "الآسيان"، وقال إن إرادة التقدم والإيمان بالقدرة على التميز هي مفتاح أي نجاح وتقدم لأية دولة ولأي تعاون إقليمي، ومن أهم أدوات تحقيق الهدف هو التعاون الحقيقي بين الدول، وهذا هو سر نجاح الآسيويين وما يحققونه من مساهمة في التجارة العالمية سنويًا وبمعدل نمو مستدام يبلغ 5 بالمئة، وقال "إن كنتم تحاولون إيجاد رؤية جديدة للمُستقبل لا تذهبوا لتجربة الاتحاد الأوروبي بل ابحثوا عن توليفة تناسب المنطقة، كما فعلت الآسيان وتمكنت من تخطي كل الاختلافات والخلافات الحدودية والعرقية والدينية، وأصبحت الآسيان الآن تمثل رابع قوة تجارية في العالم".

 

 

 

 

وقال إنَّ نموذج سنغافورة يمكنه أن يقدم التركيبة السحرية للنجاح لدولة صعدت من القاع إلى القمة في 50 عامًا فقط وقال إنِّها تركيبة مضمونة 100 بالمئة، تعتمد أولاً على اختيار الفريق الأفضل لإدارة الاقتصاد، ضارباً مثالاً باختيار المنتخب الوطني لكرة القدم والذي يجري اختياره بعناية ليضم أفضل الأفضل من كل الفرق المحلية، وهذا هو الذي يفترض العمل به عند اختيار "منتخب" وهو في كرة القدم مؤكد فلماذا لا يمكن أن يكون أيضًا في فريق قيادة الاقتصاد "منتخب" من الأفضل، وهذا ما نجحت فيه سنغافورة بالاعتماد على الكفاءة وحدها وليس على أي عامل آخر مثل القرابة أو المُحاباة في اختيار فريق العمل ليس فقط في الاقتصاد بل في غيرها من تفاصيل إدارة الدولة.

النقطة الثانية التي ركز عليها مهبوباني في محاضرته كانت البحث عن الاستفادة من تجارب ناجحة في الخارج وتبنيها، وأكد هذا لا يعيب أي دولة بل على العكس، حيث تجنب الدول الكثير من الأخطاء التي تكون قد وقعت فيها الدول خلال رحلتها لتحقيق النجاح في تجربتها، أما النقطة الثالثة فهي العمل الجاد الخالي تماماً من الفساد والذي قال إنِّه للأسف الكثير من الدول النامية تعاني منه، وأشار إلى أن أحد الحلول السحرية للقضاء على الفساد هو معاقبة من يفسد من المسؤولين حتى لو كان فساداً يبدو صغيرًا لأنه سيكون مثالاً على التعامل مع من هم دونه، وضرب مثلاً بأحد الوزراء في سنغافورة في بدايات نهضة سنغافورة عندما قبل دعوة لقضاء عطلة عائلية بدعوة من أحد أصحاب الأعمال، وبمُجرد عودته تمَّ إلقاء القبض عليه وأودع السجن، وكانت هذه رسالة قوية بأنَّ الدولة لن تتغاضي عن الفساد مهما كان، وتناولت المحاضرة العديد من المؤشرات التي دلل بها مهبوباتي على أهمية التجربة الآسيوية وإمكانية استمرارها مستقبلا.

تحقيق الأولويات

وبدأت بعد ذلك مناقشة المحور في جلسة أدارها سعادة السفير الدكتور محمد بن عوض الحسان المكلف بتيسير أعمال وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدبلوماسية، وشارك فيها كل من عبدالله بن سالم الحارثي رئيس قطاع المالية بالصندوق الاحتياطي العام للدولة، وصالح بن حمود الحسني مدير عام خدمات المستثمرين بهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وسريرام فيسواناثان الشريك المؤسس في IndusAge، وونغ هينغ فاين (سنغافورة) المدير التنفيذي SubranaJurong Private limited بالإضافة إلى المحاضر مهبوباني.

وخلال النقاش شرح عبدالله الحارثي كيف يتداخل دور الصناديق العمانية سواء الاحتياطي العام أو صندوق الاستثمار أو الابتكار أو غيرها في تنفيذ والمساهمة في تحقيق الأولويات الوطنية المختلفة للرؤية 2040، وقال إن دور الصناديق تحقيق الاستقرار والتوازن المالي وضمان الاستدامة المالية للسلطنة، ففي أوقات العسر وانخفاض الموارد يكون علينا تمويل جزء من العجز في الموازنة، وفي أوقات وجود فوائض يكون علينا العمل على أفضل استثمار لهذه الفوائض، وبالتالي فالاستدامة المالية كهدف مهم هو لب عمل أي صندوق، مضيفاً أنَّ الصناديق أيضاً تتكامل مع غيرها في تحقيق الأولوية الوطنية الخاصة ببناء قطاعات استثمارية وتنموية واعدة في السلطنة وهو كذلك من الأهداف الأساسية للصناديق، وأيضاً هدف تكوين ثروة للأجيال المستقبلية واستدامتها فهو من صميم أعمالنا من خلال استثماراتنا.

وأشار إلى أنَّ استثمارات الصناديق مكملة وداعمة للعلاقات الدبلوماسية للسلطنة، وقال إنَّ لدينا 35 استثمارا مباشرا حول العالم و5 مكاتب على مستوى العالم، نستفيد من هذه المكاتب وهذه العلاقات الدولية مع الشركاء المختلفين بحيث يكون العائد هو أحد الجوانب المهمة لكنه ليس الوحيد وإنما هناك أحيانا مردود أكبر كثيراً على الاقتصاد الوطني ككل.

وأوضح أنَّ الصناديق أحد الممكنات المباشرة في محور بناء اقتصاد متنوع مبني على المعرفة، وفي هذا المجال قال إنَّ هناك العديد من المجالات التي عملت عليها الصناديق السيادية تعتبر داعمة لهذا المحور؛ منها على سبيل المثال المجال التكنولوجي، وحاليًا هناك أكثر من كيان للعمل على دعم هذا الهدف منها الصندوق العماني للتكنولوجيا، والشركة العمانية للابتكار، وتعمل الآن بحيث تساعد المبتكر العماني وكذلك على توطين التكنولوجيا من العالم في عُمان، فنبحث عن الأفكار الجيدة ونجلبها إلى السلطنة ونبحث عن المؤهلين من أبناء عمان الذين يمكن أن يعملوا على هذه الأفكار وبالتالي تسهم في بناء قطاع تكنولوجي.

وتطرق الحارثي إلى استثمار وصفه بالجريء والواعد والذي استثمر فيه صندوق الاحتياطي العام بشكل مباشر وهو مشروع جلاس بوينت الذي يهدف إلى إنتاج النفط عبر الطاقة الشمسية، حيث استثمر الصندوق في رأس مال الشركة الأم ومن ثم عمل مشروع رائد داخل عمان وهو مشروع "مرآة"، كما لفت إلى استثمار في قطاع الطاقة عبر الشركة العمانية للطاقة، حيث إنه في مجال الطاقة غالبًا ما يكون هناك مطورون من دول إقليمية متسائلا عن سبب عدم وجود شركة عُمانية للطاقة تقوم بدورها داخل عمان وخارجها، وأوضح أن هناك مشروعات في مجال الغذاء والأمن الغذائي من خلال الصندوق العماني الياباني للاستثمار الغذائي الذي يعمل على الاستفادة من أفضل الابتكارات المتوفرة في مجال الغذاء ويجلبها إلى المنطقة ويستثمرها في السلطنة ويصدرها للإقليم ككل.

وانتقل الحارثي إلى أولوية وطنية أخرى يمكن للصناديق أن تلعب فيها دورا مهما وهي إعداد وبناء القيادات وذلك من خلال الشركات التي تؤسسها الصناديق في مختلف المجالات والتي يُعد عمل العمانيين فيها بوتقة ليكتسب فيها خبرة عالمية ويمكن لهؤلاء الشباب أن يكونوا من فريق القيادة سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، كما أن للصناديق دور رئيسي في تمكين هدف التمويل المبتكر الذي وضعته الرؤية 2040، كاشفاً عن أن صندوق الاحتياطي بصدد إنشاء صندوق للبنية الأساسية بهدف المساهمة في تنفيذ بعض مشاريع البنية الأساسية ومساعدة الحكومة في تمويل المشاريع بأسلوب مبتكر وتقديم بدائل عن تمويل المشاريع من ميزانية الدولة.

تحديات اقتصادية

ومن جانبه تحدث مهبوباني عن تفاصيل أكثر عن التحديات التي واجهت الآسيان وكيف تغلبوا عليها ومن أهمها الحروب التي كانت بين الدول الأعضاء مع بعضها، وكيف تغلبوا على ذلك وفتحوا حدودهم للتجارة البينية وكيف استفادوا من الميزة المتوفرة في كل دولة عضو في الاتحاد سواء صناعية أو سياحية أو زراعية أو أيدٍ عاملة بحيث يحققوا التكامل المنشود مؤكدا على أهمية دور الصين الرئيسي في تشجيع الأسيان واستمراره.

فيما قال سريرام فيسواناثان إن أهم عناصر النجاح يعتمد على تنمية البشر الذي يحقق بعد ذلك نجاحاته ليس فقط داخل الدولة بل على مستوى العالم، موضحا أن في الهند حاليا أكثر من 4 ملايين شاب ينتجون برامج وابتكارات، ومئات الآلاف يعملون في أكبر شركات المحتوى العالمية وغيرها وأكد أن الشباب العماني بالفعل مهتم بالتكنولوجيا الحديثة ولابد من إتاحة الفرصة له ليعمل على الابتكار فيها وليس فقط استخدامها، وأوضح أنه في الهند يتاح للطلبة الجامعيين فترة فصل دراسي للتفرغ لمشروعهم الخاص وإذا نجحوا فيه تحتسب لهم درجات.

أما وونغ هينغ فلفت إلى أن مؤتمر رؤية عُمان 2040 يتواجد فيه أشخاص من 17 جنسية مختلفة وهو مؤشر لآلية جيدة ومثال للتعاون الدولي الذي نجحت فيه عمان، وقال إنَّ العلاقات الجيدة تترجم على أرض الواقع، مشيراً إلى أنَّ التوسع في جانب البنية الأساسية في كافة المجالات وفتح الطريق لجذب الكفاءات والتعاون الدولي مهم ويفتح آفاقاً كبيرة للمستقبل.

بينما أكد صالح الحسني أنَّ البنية الأساسية التي تملكها السلطنة تعزز قدرة السلطنة على التعاون الدولي، خاصة مع موقع السلطنة المتميز، وتاريخ السلطنة وقدرة أبنائها على التواصل مع العالم منذ قديم الزمان، ومع التوجه لتحقيق جاهزية عالية للبنية اللازمة فقد أصبح لدى السلطنة 3 موانئ تتكامل في أعمالها وإن كانت أسواقها مختلفة، بجانب المطارات والطرق والعديد من البنى الأساسية المهمة والمساعدة في تحفيز الاستثمارات، مشيرا إلى أن نموذج تسهيل الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم يحتذى به.

ولم يغفل المتحاورون أهمية دور الصين ومبادرة الحزام والطريق وأهميتها كأحد آفاق التعاون والتكامل مستقبلا.

تعليق عبر الفيس بوك