"وصمة العار" والمرض النفسي

 

 

رشا أبوبكر

ماجستير صحة نفسية وعقلية

 

على الرغم من التَّقدم العلمي الذي شهده الطب النفسي وعلاج الأمراض النفسية، إلا أنَّ هذا التطور لم يصاحبه تطور مماثل في النظرة المجتمعية للمرض وللمريض النفسي ولا للاختصاصات التابعة له، مما جعل "الوصمة" تلاحق كل من يقترب من حقل هذا الاختصاص، سواء كان مريضاً أو طبيباً أو ممرضاً أو عاملاً في قطاع الصحة النفسية.

 فالثقافة السائدة في المجتمع العربي تجعل الناس ينظرون إلى الأمراض النفسية باعتبارها "وصمة عار" لا شفاء منها ولا يمحوها أي شيء، وينفرون من المرضى النفسيين، يسخرون منهم ويعتدون عليهم، حيث تزيد الوصمة من شعور المريض بالكرب والعار، مما يؤدي إلى تجنُّبه أسباب العلاج، وعزلته الاجتماعية وبالتالي تدهور صحته؛ فهي أهم ما يحول دون الارتقاء بثقافة الصحة النفسية.

ويُعرّف الدكتور لطفي الشربيني في كتابه (الوصمة!!.. ومعاناة المريض النفسي) وصمة العار بأنها "العلامة الفارقة المرتبطة بالشعور بالخجل والنقص إلى جانب النبذ وعدم الاحترام من جانب الآخرين المحيطين بالمريض في مجتمعه"، وتقسم إلى نوعين: النوع الأول: الوصمة الاجتماعية وتتمثل في الشعور الذي يلازم المجتمع تجاه المريض النفسي، وتؤدي إلى تجاهل وتجنب المريض، الخوف منه والتقليل من أهميته، مما يدفع المريض لرفض العلاج، أو إنكار كونه مريضًا، أو إنكار وجود المرض النفسي أساسًا؛ أمّا النوع الثاني: الوصمة الذاتية وتتمثل في الشعور الذي يلازم المريض تجاه المرض، وتجعل المريض يعتزل الناس، ويصاب بالخجل، الإحباط والحزن، لوم الذات وتدني النظرة للذات .

 مكافحة وصمة العار؛ سعياً لتحقيق الكرامة والحفاظ على حقوق المصابين بالأمراض النفسية، وتقديم فرص متساوية للمرضى النفسيين للحصول على العلاج الأساسي في المستشفيات والمنازل والبيئات التي يعيشون فيها بهدف تحسين جودة خدمات الصحة النفسية؛ حيث أدت الوصمة إلى زيادة معاناة المرضى النفسيين وحرمانهم من تلقي العلاج اللازم لتخفيف معاناتهم واستعادة دورهم في الحياة. كيف يمكن القضاء على الشعور بوصمة المرض النفسي؟ مشكلة وصمة المرض النفسي ليست موجودة في العالم العربي فقط بل هي مشكلة عالمية يجب التصدي لها والحد من آثارها، وذلك عن طريق إصدار كتيبات ونشرات وإعلانات للتعريف بالمرض النفسي وتصحيح المعتقدات والأفكار النمطية السائدة في المجتمع؛ زيادة الوعي والمعرفة بطبيعة الأمراض النفسية وكافة أنواع العلاج المتاحة التي تعالج المرض وتساعد المريض على استعادة دوره في الحياة؛ إصدار قوانين لمكافحة التمييز سواء في مجال الوظائف أو التعليم أو الإعلام؛ فهم طبيعة المرض النفسي وتوعية الناس بأن المرض النفسي يصيب الدماغ مثله مثل أي مرض آخر مثل السكر والضغط، والمريض النفسي مثله مثل أي مريض آخر يجب مساعدته ومعالجته وليس إهماله أو معاقبته؛ الحذر من بعض المصطلحات الرائجة بين الناس التي تؤذي المرضى ولا تعبر عن حقيقة المرض؛ تغيير الصورة الذهنية الخاطئة عن المرضى النفسيين ووصمهم بالعنف والخطورة على الآخرين عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة سعياً لمحو الوصمة وإدماج المريض في المجتمع المحيط والارتقاء بالصحة النفسية.

والشعور بالوصمة يخلف آثارا نفسية قاسية لدى المريض والمحيطين به، ويفاقم الشعور بالعزلة والتمييز السلبي ما يتسبب في تدهور الحالة الصحية للمريض.

عزيزي المريض/ عزيزتي المريضة، إذا كنت تعاني من الوصمة تذكر أنك لست وحيداً؛ أنك لست السبب؛ لا أحد يختار أن يكون مريضا نفسيا؛ العلاج ينجح في السيطرة على المرض؛ اجعل نفسك وسط أشخاص مساعدين ومتفهمين؛ تعلم واقرأ عن الأمراض النفسية وانشر الحقائق العلمية سعياً لتصحيح المعتقدات والأفكار النمطية السائدة ومحاربة الخرافات التي تحوم حول الأمراض النفسية .

تعليق عبر الفيس بوك