المسؤولية الوطنية للشركات

فايزة الكلبانية

تَسْعَى الحكومة -ومعها المؤسسات والشركات الكبرى- في الوقت الحالي، إلى إعادةِ تقييم الخطط والإستراتيجيات الموضوعة؛ سواء على المدى المتوسط أو الطويل، وهذا ما تعمل عليه الحكومة من مُنطلق البحث عن بدائل للدخل القومي، بعيدا عن الاعتماد على مصدرِ الدخل الرئيسي "النفط"؛ فجاءت خطط برنامج التنويع الاقتصادي "تنفيذ"، والتي تركز على تفعيل وتنمية عدد من القطاعات الواعدة؛ منها: القطاع اللوجستي، والصناعات التحويلية، والتعدين، والثروة السمكية والسياحة... وغيرها.

لكنَّنا في حقيقة الأمر ما زلنا في انتظار المزيد من الحِراك الاقتصادي، الذي يُترجم هذه الجهود المقدرة، ولن يتمَّ تحقيق ذلك إلا من خلال خلق شراكات حقيقية بين القطاعين الحكومي والخاص؛ لذا وفي المقابل فإنَّه يجب على القطاع الخاص العمل جاهدًا من أجل التعاطِي مع أدوارِه المعوَّل عليها من قبل الحكومة والمجتمع، والتي تتطلب منه مُضاعفة الجهود لتحسين خطط العمل التقليدية، والتي اعتادَ على العمل بها خلال سنوات الرخاء وسياسات الدعم. لقد بات القطاع الخاص مُطَالبا بإعادة جدولة خططه وإستراتيجياته وأهدافه، إلى جانب العمل على إيجاد بدائل لتعزيز الإنتاجية، ومواكبة التطور التكنولوجي واحتياجات سوق العمل، وخلق نماذج ومنتجات تتواكب مع المستجدات التي تفرضها علينا الأوضاع الاقتصادية محليًّا وعالميًّا. أما البقاء على نفس النهج والسياسات والخطط التي نعمل عليها منذ 40 سنة، في ظل ما يتطلبه الوضع من تغييرات وشراكات في العطاء، فإنَّ ذلك سيؤدِّي بهذه الشركات بمختلف فئاتها حتى الكبيرة منها إلى تراجع أدائها وأوضاعها في السوق؛ نظرا لقلة الطلب على خدماتها ومنتجاتها التي لا تتفاعل مع الحداثة والمتغيرات، وهذا بدوره سيؤثر على ربحية وتقدُّم وقوة الشركة الشرائية في السوق، ويضعنا أمام حالة من الركود.

وقد يكون هذا الركود -أو بصيغة أقل حدة تراجع الحراك الاقتصادي- ناجمًا عمَّا تقدمه هذه الشركات من منتجات وأعمال لا تواكب السوق، وأداء الشركة كذلك غير قادر على استيعاب وتوظيف الباحثين عن عمل، ولعل الطَّامة الكبرى أنه إذا كان هذا الوضع ينطبق على عدد كبير من شركات القطاع الخاص، وأخص بالذكر هنا الكبيرة قبل المتوسطة والصغيرة، فإنَّ مرحلة التغيير اليوم تتطلَّب أن يكون القطاع الخاص أكثر حِكمة وحِنكة في توظيف الظروف الحالية، وتحويل التحديات إلى نقاط قوَّة يُمكن من خلالها تعظيم الأرباح، وفي المقدمة من مثل هذه الإجراءات أن يتم تحقيق الشراكة الحقيقية مع الحكومة، وأن يكون هذا القطاع مبادرا في التغيير، والمساهمة في تلبية مُتطلبات المجتمع، مقابل ما حصل عليه من خدمات ودعم على مدى سنوات التنمية الشاملة خلال العقود الأخيرة.

إنَّ الأوضاع الاقتصادية تلقِي بظلالها على جوانب أخرى؛ منها مثلا: قضية الباحثين عن عمل، ممن يتم استدعاؤهم لإجراء مقابلات للتوظيف في عدد من الشركات؛ حيث يتفاجأ الباحث بأنَّ النتيجة هي الرفض بحجة أن الباحث عن عمل لا يستوفي الشروط، ولكن حقيقة القول أنها أعذار غير مفهومة من الشركات، والتي للأسف في الكثير منها شركات كبيرة، والتي استفادت كثيرا من الميزات الحكومية من قبل، وربما يستفيد أكثر لو أنَّه عمل على توظيف عدد من الباحثين عن عمل، لكنَّ المحصلة صفر للأسف، وما يحدث الآن ليس له تفسير ولا توصيف سوى أنه تهرُّب من المسؤولية، وهذا بحد ذاته يُحدِث فجوات من عدم الثقة، وغيابا للمسؤولية المجتمعية والمصداقية في التعامل مع مختلف الأطراف (الحكومة، والباحثون عن عمل)، علاوة على ذلك تتسبب هذه التصرفات من قبل الشركات الكبرى في اتساع دائرة التذمُّر والشكوى والإحباط تجاه القطاع الخاص.

ما زلنا نُناشد القطاعَ الخاص بأن يُطلق المزيد من المبادرات، ويقوم بإسهام فاعل في صنع الفارق ومواجهة التحديات، كما أدعُو الشركات الكبيرة إلى أن تتبنَّى ثقافة "رد الجميل للوطن"، وأن تقوم هذه الشركات بدورها في إحلال الباحثين عن عمل محل العامل الوافد الذي لا ننكر أنه قام بجهود مقدرة خلال السنوات الماضية، لكن آن الآوان أن يأخذ الشباب العُماني زِمام المبادرة، ويتولى المسؤولية في هذه الشركات. ندعو القطاع الخاص لإطلاق شراكات حقيقية مع الحكومة من أجل توظيف الشباب. ولكي تكون هذه الشراكات قائمة، يتعيَّن بصورة رئيسية على الحكومة أن تعمل بجدية حقيقية على تبسيط الإجراءات، خاصة طول فترة انتظار استخراج التصاريح اللازمة لإنشاء المشروعات، لاسيما الكبرى منها، وتطبيق التعامل المرن مع القطاع الخاص، والتخلص من الأفكار البيروقراطية القديمة التي تعرقل العمل ولا تحقق أي هدف موضوعي منها.

وختاما أقول: إنَّ ما نطرحه من نقاشات وأفكار لا يعني اتهامات لشركات القطاع الخاص أو طعنا في وطنيتها، أو أننا نُهيل التراب على ما حقَّقوه من مُنجزات خدمت الوطن، بل على النقيض تمامًا، فإننا نستحثُّ الحس الوطني الكبير الذي تتمتع به هذه الشركات، فلا شك أنها قدمت خلال العقود الماضية المشروعات التي عززت مسيرة النهضة، لكن آن الأوان كي تقوم بأدوار ومهام تستوعب الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل، وتقوم بالدور الحقيقي لها في تنشيط الاقتصاد، وتحقيق النمو المأمول في الناتج المحلي الإجمالي، والذي لن يتحقق إلا من خلال تضافر الجهود بصورة عملية يُمكن تلمُّسها بهدف تقوية الاقتصاد الوطني.