لمن لا يهمه الأمر!

 

 

ربا بنت جمال الشنفري

< بعد فوات الأوان.. عندما يكسو رأسك الشيب سيستيقظ ضميرك الغافي بعد سنوات السبات

 

نعيشُ في مجتمعٍ تتنوَّع فيه الفئات الفكرية ذات الخلفيات الثقافية المتباينة، ولا يُمكن لهذا المقال استيعابها جميعاً، لكنْ سنتطرق للحديث عن فئة من المجتمع لا يهمُّهم أي أمر مهما كانت الأحداث الكبيرة تدور من حولهم، فهم لا يُبالون ولا يُحركون ساكناً.. هؤلاء أشخاصٌ يعتقدون أنَّهم أتوا إلى هذه الدنيا للهو والمرح فقط، وأن الحياة بسيطة لدرجة أنَّهم لا يجب أن يتأثروا بها في شيء!

يعتقدُ هؤلاء الأشخاص أنَّه ليس جديراً بهم التأثُّر بما يحدث في هذه الحياة؛ لأنَّ نظرتهم يطغى عليها حب الاستمتاع والرفاهية، والابتعاد عن كلِّ ما يُعكر مزاجهم، وهنا تكمن المشكلة.

إنْ كنتَ أنت وغيرك قد خُلقتم للرفاهية والمتعة، وقضاء الأوقات في اللهو ومغريات الحياة، إذن لمن خُلقت هذه الحياة الدُّنيا؟! وعلى من وَضَع مسؤوليتها اللهُ تبارك وتعالى؟ وعلى من يعتمد أولو الأمر في بناء أوطاننا؟ ولمن ستبنى الصروح والأمجاد ومن سيكون بانيها؟! غداً تُنجبون أبناءً ويسألونكم أبي/أمي ماذا كان دَوركم في بناء الوطن؟ ما الإنجازات التي قُمتم بها، فأصدقاؤنا فخورون بأهاليهم ويخبروننا دوماً بما قاموا به من أعمال تُشِيد صروح الوطن! فمنهم الشرطي المكافح، ومنهم الطبيب الناجح، ومنهم المهندس المجتهد.. وغيرهم كُثر. هؤلاء كافحوا واجتهدوا وتعبوا وذاقوا مرارة الفشل مراراً وتكراراً، لكنهم لم ييأسوا أو يستسلموا؛ لأنَّ من يستسلم يبقى دائماً على ما هو عليه، ويبقى بلا أهمية، فمن لا يهمه الأمر لا يهتم لأمره الناس، فيكون شخصًا وجوده كعدمه، فإن حضر أو غاب سيَّان، حتى وإن رحل يرحل ذكر اسمه معه ولا يعود أبداً، وقد لا يتذكره أحد.

بعد فوات الأوان، وعندما تكبر في العمر سنة وراء الأخرى، ويكسو رأسك الشيب، ستبدأ بالتساؤل، وسيستيقظ ضميرك الغافي بعد سنوات السبات الطويلة، لتسأل نفسك سؤالاً مؤلماً للغاية: ماذا فعلت في سنواتي التي مضت؟ هل من شيء يُذكر أو يُحسب لي؟ هل أنا إنسان مهم أم أنه لا أهمية لي؟ هل عندما سيتذكَّرني من هم حولي عندما أرحل؟ هل لي بصمة تُذكر في أي مجال من مجالات الحياة؟

العُلماء والأدباء، والمفكرون والمنجزون، والعباقرة، رحلوا جميعاً ولم يُخلفوا وراءهم سوى إنجازاتهم وعلمهم، ولولا ما تركُوا من إرث حضاري لما ذُكرت أسماؤهم بعد رحيلهم، فهل تريد أن تأتي إلى الدنيا وترحل بلا ذِكر؟! هل تجد عيشك بلا أهداف واقعيًّا الآن بعد ما تحدثنا عنه من نَدَم متوقع في المستقبل؟ ألا تتُوق لغرس جذورك على هذه الأرض وترسيخ اسمك لأجيال قادمة؟

فعلى سبيل المثال: في الشَّركات التجارية، هناك سياسة ما تُسمَّى "المسؤولية الاجتماعية"، تعمل بها أغلب الشركات، وتتمثل فكرتها في أنَّ الشركات عندما تقوم بأخذ شيء ما من البيئة المحيطة حولها كالمياه أو الأراضي، أو تنفذ مشروعات محلية، تقوم هذه الشركات بدعم أهالي المنطقة، والقيام بمسؤوليتهم الاجتماعية تجاه المجتمع المحلي؛ من أجل تعزيز اسم الشركة وسمعتها، هذا ونحن نعلم تماماً أنَّ الكثير من الشركات يسعى للأرباح، فما بالكم وأنتم البشر لا تكترثون لإرثكم وإرث أبنائكم من بعدكم.

توقَّفوا عن النظر لكل شيء من الأعلى بلا اهتمام، وامتزجوا مع أحداث عصركم، اتخذوا مواقفكم، حدِّدوا قراراتكم، ارسموا مستقبلكم، كافحوا من أجل أبنائكم، واثبتوا كيانكم وكفى بروداً!!

تعليق عبر الفيس بوك