في انتظار عدالة تنزع فتيل الموت

غسان الشهابي

كانَ الانتظارُ الطويلُ في محلِّه للحصول على ورقة في غاية الأهمية، تمَّ طرحُها في أعمال المؤتمر الإقليمي الثامن لمركز البحوث والدراسات الإستراتيجية للجيش اللبناني، الذي جرت وقائعه في فبراير الماضي، وهي ورقة نائبة مدير معهد الدراسات الألمانية في الاتحاد الأوروبي الدكتورة فلورنس ماريا غوب.

تُشير الباحثة إلى أنه منذ العام 1945 -أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية- نشبتْ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 25 حرباً داخلية، بما فيها الثورات، والحروب الأهلية، أدّت لمقتل 3.2 مليون من البشر، ثُلثا هذا العدد قضُوا نَحبهم في الصراعات التي جَرَت في البلد نفسه، أي أنهم إمَّا أن يكونوا ضحايا الأنظمة القمعية، وإما أن يكونوا ضحايا النزاعات المسلحة بين جماعات متنافسة كان التعايش السلمي أبعد ما يكون عن أهدافها. وتضيفُ د.غوب أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تشكل 5% من سكان العام، شكلت وحدها ما نسبته 15% من الضحايا في العالم في السنوات القليلة الماضية.

الورقة تطرَح حِزمة من الأسباب -لأنها غير أكيدة- التي تجعل الشعوب تتنازع داخليًّا وتتقاتل، ولكن من الواضح أن غياب "العدالة" كان عاملاً مشتركاً في الكثير من هذه الصراعات؛ إذ يحدث أنَّ بعضاً من الدول العربية كانت تحقق أداءً اقتصاديًّا جيداً، لكنها تدخل في نزاعات وحروب أهلية نتيجة غياب عدالة توزيع هذه الثروات، ناهيك عن البلدان التي تُعاني شعوبها من ضعف البنى الأساسية، وسوء الخدمات، والرزوح تحت ضرائب متنوعة، فيما يَرون طبقة رفيعة فقط تتمتع بالامتيازات بينما السواد الأعظم من الشعب يَئنّ من سوء هذه الأحوال، فهي تكون مهيَّأة أكثر من غيرها للدخول في هذه النزاعات.

افتقاد العدالة بكل أشكالها يجعل دولاً ذات تنوع طائفي تدخل في هذا النوع من الصراعات. وفي الآن ذاته، فإنَّ التنافس القبلي والعرقي يجرُّ دولاً أخرى إلى النتيجة نفسها التي تنتهي إلى الصراع بين المتنافسين الذين يرون أن حقّهم مضيَّع.

وفي الوقت الذي تطمح فيه الدول العربية للحاق بالغرب -رغم اتساع الفجوة عرضاً وعُمقاً- فإن الحديث غالباً ما يدور حول التعليم الجيد، والطبابة الجيدة، والبُنى الأساسية المتكاملة والمتطورة، لكنه يتجنب العدالة كونها مضادة لشراء الولاءات والاستفراد بالثروات والمميزات.

تعليق عبر الفيس بوك