المشهد السوري.. الغموض المعبأ بالمفاجآت

...
...
...
...
...

 

 

الرؤية - خالد أحمد

 

قد تعجز أغلب نظريات العلاقات الدولية في فهم وتفسير ما يجري في الآونة الأخيرة بشأن سوريا والأطراف الأخرى ذات العلاقة، وخاصة بعدما ألقى ترامب بالمفاجأة وأعلن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.

ولأنّ التطورات غير المتوقعة في الشأن السوري مستمرة وأهمها تلك المؤشرات لإعادة بعض الدول تنشيط علاقاتها مع سوريا وعلى رأسها إعادة دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في سوريا تليها البحرين وفي الطريق دول عربية أخرى، ومنها الكويت التي نشرت بعض الصحف فيها احتمالات عودة العلاقات قريباً، وهي تطورات لها دلالات كبيرة خاصة أنها تأتي من دولة (أو دول) ساندت المعارضة السورية ودعمتها في سعيها للإطاحة بالرئيس السوري، وفي السياق ذاته طالب أعضاء في مجلس النواب الأردني بتعزيز العلاقات الأردنية السورية لما لها من فوائد للدولتين.

الكثير من المراقبين ربط بين زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق وبين التطورات التالية لها، بعدما اتضح أن البشير كان يحمل رسالة (أو مجموعة رسائل) إلى الرئيس السوري بشأن ترتيبات مستقبلية.

 ما يزيد من غموض الوضع هو موقف الدول الساعية إلى البحث عن علاقة أو دور في الشأن السوري من باقي أطراف المشهد وعلى رأسها إيران التي تتمتع بعلاقات قوية مع سوريا إضافة إلى الدعم والمساندة الروسية الكاملة، وقبل ذلك هناك تركيا المتورطة بالفعل في جزء كبير من الأحداث منذ سنوات وحتى الآن. وهنا يجب الإشارة إلى أنّ سوريا الدولة هي الطرف المنتصر حتى الآن بعد سنوات من الحصار والحرب ضد أطراف عديدة سواء مباشرة كقوات معارضة وقوات أجنبية وإرهابيين أو بشكل غير مباشر كدول داعمة وممولة.

لهذا كان طبيعياً أن يؤكد عدد غير قليل من المراقبين الغربيين بعد إعلان الإنسحاب الأمريكي من سوريا أنّ هذا التطوّر يحس كانتصار للجانب السوري وهزيمة للأطراف الأخرى، حتى أنّ ديلي تلجراف عنونت افتتاحيتها بـ "جهود الغرب فشلت في سوريا" وقالت إنّ سوريا عادت إلى المربع الأول الذي كانت فيه قبل ثمانية أعوام عندما اندلعت الحرب الأهلية بعد محاولات يائسة للإطاحة ببشار الأسد.

المشاركة الغربية ظلت مضطربة ومشوشة بينما خطى الإيرانيون والروس لملء الفراغ.

أمّا التايمز البريطانية فاختارت عنوانا لافتتاحيتها في صيغة تساؤل "من خَسرَ سوريا؟" وقالت إنّ قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا أثار تزاحما للاستفادة منه بين روسيا وسوريا وتركيا، وأنّ الخاسرين الأكبر جراء ذلك هما الأكراد والغرب. في سياق مختلف نشرت صحيفة الجارديان تقريراً "توقع عودة سوريا للجامعة العربية مع تلاشي المعارضة لنظام الأسد". ويقول التقرير إنّ دول الخليج تسعى للترحيب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وذلك بعد ثمانية أعوام من تجميد عضويتها، وينقل التقرير عن مصادر قولها إنّ من المرجح أن يعود الأسد في وقت ما من العام المقبل إلى مكانه وسط القادة العرب.

وكما جرت العادة مع الشأن السوري والعالمي بوجه عام فإنّ الميديا الغربية تستعد لتسويق الأحداث القادمة بشكل مختلف، وبعدما كان التركيز منصباً على تكريس وجود اعتداءات جسيمة من قبل القوات السورية مثلما جرى مع حلب وغيرها، بالتزامن مع الانتصارات التي كانت تحققها سوريا الدولة على الجماعات الإرهابية بمختلف أشكالها، وهي منتجات إعلامية نجحت في أن تلقى رواجاً في العديد من المحافل الدولية ولدى الرأي العام الغربي والعربي في بعض الأحيان، سيتم في الفترة القادمة تسويق أحداث وتطورات بعينها مناسبة للمرحلة الجديدة التي ستكون حبلى بالمفاجآت، مع استعادة الدولة السورية قوتها وتوازنها الإقليمي والدولي بمرور الوقت.

وعلى سبيل المثال وبينما تؤكد تقارير سورية وروسية أنّ القوات السورية دخلت منبج بعد أن غادرتها من دون قتال وحدات حماية الشعب الكردية. ورُفع علم الجمهورية العربية السورية في المدينة، نشرت وكالة رويترز أمس تقريراً حمل عنوان "منبج السورية تحبس أنفاسها وتستعد لفوضى مع رحيل القوات الأمريكية" وذكرت فيه أنّه ومع استعداد القوات الأمريكية للرحيل بعد قرار ترامب بسحبها يخشى السكان من اندفاع أطراف أخرى لملء الفراغ مما يسبب مزيدا من الاضطرابات.

ويضيف التقرير "تحافظ القوات الأمريكية على الاستقرار في منبج منذ هزيمة تنظيم "داعش" في عام 2016 ". دون أن يوضح شكل الاستقرار المقصود في وجود قوات أجنبية على أرض عربية.

ونشرت رويترز على لسان مصدر قالت إنه في مجلس منبج العسكري أنّ انتشار الجيش السوري في منطقة منبج حتى الآن هو انتشار "جزئي" مشيرا إلى أنّ مزيدا من عمليات الانتشار في المنطقة ستأخذ في الحسبان الوجود الأمريكي.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة