عاصفة الغضب

ربا جمال الشنفرية

 

من منِّا لا تنتابه نوبات الغضب المُفاجئة التي عندما يُراجع نفسه يندم عليها لاحقاً؟! ومن منِّا ينكر وجود أمور تدفعه للغضب الجنوني الذي يبدو للآخرين بلا داعٍ؟! في كثير من الأحيان تخرج الأحداث عن سيطرتنا فلا يد لنا فيما تحدثه متغيرات الحياة من حولنا أو في ما يفعله الأشخاص الذين يعيشون معنا في المحيط ذاته، وقد تتبلور الأفكار الشريرة في عقولنا لوهلة فتجتمع لتكون سحابة سوداء مليئة بالسخط والامتعاض، لينهمر مطرها الغزير على الشخص الذي يقف أمامنا حتى وإن لم يكن هو المعني بالأمر! فالغمامة السوداء هذه تُغطي أعيننا كالستار وتجعل الشخص الغاضب يقع في مواقف مُحرجة .. فتارة يصب جام غضبه على هذا وتارة أخرى يظلم ذاك بكلامه الجارح عمداً وهكذا، فيبدو غضبه كالعاصفة الشديدة التي قد تعصف بقلوب الآخرين فيظن الناس أنَّه شخصية عصبية بالفطرة.

ولكن هناك أسباب جوهرية خلف نوبات الغضب المفاجئة تلك، فمن الضروري أن نستنتج عدة أمور وأولها أن نسأل أنفسنا ما الذي من شأنه أن يغضبنا؟ فنحن نغضب عندما نرفع سقف توقعاتنا للحصول على شيء معين ولا نتمكن من الحصول عليه، أو عندما يستثير أحدهم مشاعرنا بالاستفزاز والكلام البغيض .. نغضب عندما نخسر شيئاً أو شخصاً ما، تثور أعصابنا عندما تعاكسنا ظروف الحياة، نكتئب لكثرة الإرهاق والضغوطات النفسية اليومية.. نحزن بسبب قلة احترام الآخر لنا، ونحبط عندما تواجهنا العقبات، ونغضب على الكثير الكثير من الأمور.

نحن عندما نغضب من أمر ما فهذا يعتبر ردة فعل مباغتة بسبب اختلال المشاعر في تلك اللحظة فيؤدي ذلك أحياناً إلى الشعور الداخلي بالحاجة إلى الاستفراغ من شيء يُضايقنا فتأتينا موجات الغضب تلك شيئاً فشيئاً لنتقيأ سمومها على الآخرين.

فالغضب طاقة قوية جداً يجب التحكم بها لأنَّ الغضب كالنار قد تأكل حتى صاحبها أحياناً، ولكن للغضب المرتبط بالمشاعر ثلاثة أنواع؛ نوع سلبي وآخر إيجابي والنوع الثالث وهو المدمر. 

الغضب السلبي هو عندما نغضب بسبب أمر عابر لا يستحق عناء الغضب أي أننا نقلل من هيبة غضبنا في أمور تافهة لا تستحق هذا القدر من الانفعال، أما الغضب الإيجابي فيعود بالنفع على صاحبه لاحقاً فعلى سبيل المثال إن تهاونت في التحضير لامتحانك وتوقعت بأنك ذكي بما فيه الكفاية لتحصل على علامات مرتفعة ثم صدمت بدرجاتك المنخفضة لاحقاً وغضبت بشدة ... فهذا سيُلقنك درساً ذاتياً وسوف تحضر لاختباراتك بتركيز أكبر في المرات المقبلة ... أما النوع الثالث وهو الأخطر وأسميته بـ "المدمر" وهذا هو أخطر نوع من أنواع الغضب فقد تكون عواقبه وخيمة كخسارتك لأحد من أهلك أو أصدقائك .. خسارتك لعملك .. خسارتك لفرص ذهبية في حياتك .. خسارتك لماء وجهك ..أو تدهور صحتك.. فالغضب الشديد يعتبر من أقوى العوامل في تدهور الصحة ومسببا رئيسيا لعدة أمراض نفسية وجسدية...

 

كيف أدير غضبي وأتحكم بأعصابي ؟!

الخطوة الأولى.. وهي معرفتك بنفسك .. فكر بينك وبين نفسك .. ماهي الأشياء التي من الممكن أن تغضبني وبشدة؟ .. ما مدى قدرتي على التحكم بنفسي عندما أغضب؟ .. أسترجع بعض المواقف التي غضبت فيها وأراجع أسبابها وأتذكر كيف كان تصرفي حينها؟! .. يجب أن أستطيع تحديد نمط حياتي.. وكيف بإمكاني أن أتصرف لاحقاً في حال واجهتني نفس المواقف أو مواقف مشابهة مستقبلاً؟! 

يجب أن تفكر بتمعن هل كل الأمور التي غضبت عليها في السابق كانت بالفعل تستحق ردود أفعالك تلك؟ .. هل كان بإمكانك أن تتصرف بشكل أفضل من ذلك؟ هل كان يجب أن تعطي الطرف الآخر فرصةً أخرى؟ فتبدأ بتقييم وتحليل ردود أفعالك سابقاً وتستقي منها الصحيح وتتجاهل الخاطئ في المرات القادمة..

فعلى سبيل المثال إن كنت تعلم أنّ وجود فلان في المكان الفلاني وتعلم أنَّه سيغضبك وجوده لا إرادياً فإذاً تحكم بغضبك وإن تعمد أن يقول لك حديثاً يزعجك تذكر بأنك كنت تعلم هذا مسبقاً فانتقل إلى الرد بشكل دبلوماسي وابتعد كل البعد عن الغضب فالأشخاص الاستفزازيين تسعدهم ردود أفعالك الغاضبة فلا تعطهم مبتغاهم.. واعتبر أنك عندما تتحكم بغضبك فإنك هنا تتغلب على تحدٍ عظيم بينك وبين نفسك.. 

تغييرك لأي تصرف من تصرفاتك لا يحتاج منك مجهوداً كبيراً للغاية ولا صياغةً كاملةً لجميع تصرفاتك بل يحتاج منك أن تتنفس بهدوء وتنظر لحياتك بعد تحليل أخطائك بنظرة جديدة.. فقط لاغير !!

تعليق عبر الفيس بوك