بهلا - العمانية
ولاية بهلا بمحافظة الداخلية.. واحدةٌ من الوجهات السياحيَّة التراثيَّة بالسلطنة؛ لما تشتهرُ به من تعدُّد في المواقع التراثية والسياحية، التي يقصِدُها الزوار من داخل وخارج السلطنة؛ كالقلاع، والحصون، والأسواق، والحارات القديمة التي تقفُ آثارُها شاهدةً على حقبة من التاريخ العُماني التليد.
ومن الحارات القديمة بولاية بهلا: حارة "العقر"، إحدى الحارات العُمانية القديمة، ونموذجٌ من نماذج تجمُّعات المباني التاريخية، ذات الطراز المعماري العُماني التقليدي، والتي تُسمَّى بالحارات، وتقع ضمن "واحة بهلا" الأثرية، التي تمَّ إدراجُها ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو منذ 1987م. وتقع حارة "العقر" داخل حدود سور بهلا التاريخي الدفاعي، والذي يبلغ طوله 12 كم، وهو ذو تَحْصِينات عسكرية محكمة، كما أنَّ الحارة تلتصقُ بمركزيْن حضرييْن؛ هما: حارة "الغزيلي" وحارة "الحوية"، وتحتفظ بهويتها وموقعها الجغرافي المحدد.
ويقول زكريا الهميمي الباحث في التاريخ العماني: إنَّ حارة "العقر" وُجِدَت بها بقايا مدافن في موقع مسجد الجامع، تشير إلى أنَّها كانت منطقة مسكونة قبل الإسلام، وتعود تقريباً للألفية الثالثة قبل الميلاد، والحارة تتكوَّن من مبانٍ طينية كبيرة يقع عدد منها في المنطقة الوسطى من الحارة؛ حيث يبلغ عدد مبانيها 177 بناء من الطوب الطيني، ولا تزال مُحتفظة بشكلها الأصلي، و23 منها مبنية بمواد مختلطة (تقليدية وحديثة). ويضيف الهميمي -لوكالة الأنباء العمانية- إنَّ حارة "العقر" يحُدها من جهة الشمال جامع بهلا التاريخي القديم وقلعة بهلا التاريخية؛ إذ تقعُ الحارة على سفح تلة مرتفع، وفَّر لها عند مضيق وادي بهلا حماية مباشرة من القلعة ذات الاستحكامات العسكرية، كما منح أهالي الحارة منظرا رحبا باتجاه الجنوب. وتحيط بحارة "العقر" بساتين النخيل وقنوات من الأفلاج التي تسقيها؛ حيث تحصل الحارة على احتياجاتها من الماء عبر القناة الرئيسية لفلج "الميثاء"، والذي يعدُّ أحد أكبر وأقدم الأفلاج في ولاية بهلا، ويدخل فلج الميثاء العقر مباشرة شمال باب "النارجيلة"، ويمرُّ أسفل بعض المساكن والبيوت في المنطقة، كما تُوجد داخل حارة العقر آبار كانت تستخدم لتزويد السكان بالماء وكمخزون إستراتيجي لسكان الحارة عند انعدام الأمن.
ويشيرُ الباحث زكريا الهميمي إلى أنَّ حارة العقر مسوَّرة ومحصَّنة، ولها مداخل مُحدَّدة بوضوح للدخول إليها، وفي كلِّ مراحل التوسُّع التي مرت بها، كان لها مساران، بينهما منطقة كبيرة معيَّنة الشكل، امتلأتْ تدريجيًّا بالمباني السكنية، كما أنه وداخل حارة العقر مجلس عام كان يجتمعُ أهالي الحارة لتداول الأمور التي تهمُّهم، وكذلك في مناسبات العزاء والأعراس، ويتبع حاليا حارة العقر في منطقة سفالة بهلا مجلس عام كبير الحجم، مبنيٌّ وفق الطراز الحديث، ومستوحَى من العمارة الإسلامية، وهُناك أيضاً ثلاث من السبل الأربع الرئيسية في حارة العقر مرتبطة بالبوابات الرئيسية إلى الحارة، والتي تعرف بالصباحات؛ وهي: صباح النارجيلة وفي أعلاه أماكن وفتحات تستخدم للرماية بالبندقية، وصباح الهواشم، وصباح العقر، وتضمُّ حارة العقر بداخلها أيضا مسجدًا يسمى مسجد "عاصة كمكان" . وحارة "العقر" إحدى أكبر الحارات السكنية في ولاية بهلا، وأقدمها، وتميَّزت بالمعمار السكني، وهو شاهدٌ على ما عرفته هذه الحارة من أهمية وثراء في يوم من الأيام، ويعكسُ كذلك المكانة الاجتماعية التي وصل إليها بعض أصحاب تلك المساكن؛ حيث نجد بعض المساكن ذات أبواب خشبية كبيرة مُتقنة الصنع، تُحيط بها إطارات وواجهات مزخرفة بالنقوش الجصية الجميلة، وكذلك يتميَّز سقف بعض المنازل في حارة العقر بنقوش وألوان زيتية غاية في الدقة والجمال، وهناك ثلاثة منازل داخل الحارة تعدُّ من بيوت المال؛ حيث كانت مساكن لملوك سابقين من بني نبهان، وكانت عاصمة ملكهم ولاية بهلا.
وتقعُ في جهة الشرق من المدخل الشرقي لحارة العقر ضاحية "عاصة"، وهي بستان نخيل يعدُّ وقفًا لمدرسة حارة "صالح" لتعليم القرآن الكريم، كأحد نماذج التعليم التقليدي في عُمان، وكانت حارة العقر في ولاية بهلا مركزا كبيرا لتجمع السكان الذين يشكلون وحدة اجتماعية متماسكة؛ حيث يقدر عدد القبائل العمانية التي كانت تسكن في هذه الحارة باثنتي عشرة قبيلة. والأغلب من منازل الحارة له طابقان وبعضها لها ثلاثة طوابق مع سراديب ومخازن تحت الأرض، وجميعها مبنية من الطوب الطيني الذي يحافظ على درجة حرارة معتدلة في الداخل، كما تعتمدُ التهوية في تلك المنازل على فتحات ضيقة قرب الأسقف تسمح بدخول تيار الهواء، وحالياً غالبية المساكن في حارة العقر مهجورة.
ويشيرُ الهميمي إلى أنَّ سُكان حارة "العقر" مارسوا عددا من الأنشطة الاقتصادية؛ من بينها: الزراعة كمهنة أساسية، والتجارة؛ فكانوا يُسَافِرون في رحلات تجارية إلى اليمن حاملين معهم عددًا من المنتجات المحلية، وكانوا يستوردون من تلك البلاد عددا من المنتجات؛ منها: البن اليمني والمنسوجات، وكان بعض سكان حارة العقر يمتلكون آلة خشبية تستخدم لعصر قصب السكر العماني، وتعد هذه الآلة إحدى أكبر آلات عصر قصب السكر في ولاية بهلا، وكان القصب يُزرَع بكثرة في الولاية كأحد المحاصيل الزراعية الإستراتيجية. وأكد الهميمي أنَّه تم العثور في عدد من الدور القديمة في حارة العقر على بقايا مخطوطات ووثائق علمية لعدد من العلماء الذين كانوا يسكنون الحارة؛ منهم: الشيخ الفقيه عمر بن سعيد بن عبدالله المعد البهلوي أبو حفص (1009هـ/ 1600م)، وهو صاحب كتاب منهاج العدل (موسوعة فقهية في أربعة أجزاء كبيرة)؛ تضمنتْ الكثير من جوابات العلماء وفتاويهم، كما ترك أيضا منظومات شعرية وجوابات فقهية، وله مكتبة عُرفت في التاريخ العماني بمكتبة "المعد" في بهلا، وتعد من أهم المكتبات الوقفية التي وجدت في ولاية بهلا.