حضرتك دكتور؟! (2-2)

د. سمير محمود *

* كاتب صحفي مصري

 

نُوَاصِل عرض قضية الشهادات والدرجات الجامعية المزورة، ونضيف لما سبق في المقال الماضي أنَّ منصة "تويتر" تحفل بمئات الإعلانات والتليفونات عن هذه الدكاكين، وكذلك الملاحق الصحفية الإعلانية المجانية وأبرزها الوسيط، دون خجل أو خوف؛ وفي هذه الحالة نحن أمام رسالة علمية بالفعل (بغض النظر عن قوة محتواها أو مستواها)، ونحن أمام شخص طُبع اسمه عليها، وربما سجلها لنيل الماجستير أو الدكتوراه في جامعة عريقة ومرموقة ومعترف بها؛ لكن هذا الشخص لا يعرف عنها أي شيء سوى آلاف الريالات أو الدولارات التي دفعها للحصول على الدرجة، وربما أعد هذه الدراسة المشرف العلمي أو أحد مساعديه وتلاميذه، وهو بالطبع لا يمثل إلا نفسه وقلة منحرفة تغيب ضمائرها حين تحضر الريالات والدولارات؛ وتلك جريمة كاملة متكاملة الأركان!

وفي عُمان، دائرة يقظة لمعادلة الشهادات الأكاديمية والتحقق منها، تتبع التعليم العالي، رصدتْ فقط في الفترة من (1975-2018) حوالي 1250 حالة تزوير؛ منها: 1117 ختمًا مزورًا على محررات وشهادات ووثائق ومستندات، و108 حالات تزوير مؤهل، و25 حالة مؤهل من مؤسسات وهمية؛ تلك الأرقام كاشفة ومتى تقع في يد الدائرة، تحيلها إلى الادعاء العام مباشرة، وتخطر وزارتيْ الخدمة المدنية والقوى العاملة، وكذلك الهيئة العامة لسجل القوى العاملة بالدعوى، وفي دول الجوار الخليجية تم تجريم أصحاب الشهادات المزورة، وسن عقوبة السجن سبع سنوات مع الشغل والنفاذ في دولة الكويت مع رد ضعف الرواتب التي تقاضوها من مناصبهم التي عملوا فيها بمقتضى شهاداتهم المزيفة، وفي السعودية تصل العقوبة للسجن ثلاث سنوات والغرامة 300 ألف ريال سعودي، وفي البحرين توقع غرامة على المزورين من 1500-4000 دينار بحريني، وفي الإمارات صدرت قرارات مغلظة لفحص الشهادات والدرجات العلمية واعتمادها سواء للعاملين فيها بالفعل أو المتقدمين لوظائف بها، كإجراء استباقي.

جهات وإجراءات التحقق من الشهادات والدرجات العلمية في عالمنا العربي عديدة، ومع ذلك حالات التزوير في تزايد، مما يستوجب حلولًا جذرية رادعة على مستوى قطري وإقليمي ودولي موحد، فالذي دفع آلاف الريالات مقابل شهادة أو درجة هو مزور، والذي تقاضى المبلغ نفسه هو مزور أيضًا، والذي غض الطرف أو خُدع واعتمد الشهادة والدرجة هو شريك في الجريمة، سواء بقصد أو دون قصد، وما دامت هناك جهات تجاهر وتعلن عن خدمات إعداد وتوثيق واعتماد وبيع شهادات ودرجات علمية لحفنة من الباحثين عن الماجستير والدكتوراه مع ألقاب أخرى مثل المستشار والخبير؛ فهناك بالمثل بيزنس كبير للتربح عبر إصدار شهادات جامعية وهمية تستهدف قطاعات كبيرة من شباب الأمة، وهنا الخطورة أفدح والأعداد أضخم لهؤلاء الضحايا من الكسالى البائسين والباحثين عن صعود سريع، الذين اختاروا أولى خطواتهم في مشوار الحياة بالتزييف والتزوير.

الأمر لا يجب أن يقف عند عتبة محاسبة المزيف المزور بإنهاء خدماته أو ترحيله إذا كان وافدًا، وإنما يستوجب جهدًا جماعياً، من جميع البلدان العربية، وبلدان الخليج العربي تحديدًا، أكثر المتضررين من هذه المشكلة وأكثر ضحاياها وزبائنها أيضًا.

هناك بوليس دولي هو (الإنتربول) يتتبع المجرمين عبر الحدود، وهناك اتحاد المراكز الطبية المعتمدة لدول الخليج (جامك) للفحص والتأكد من السلامة الصحية للمتقدمين للعمل بهذه الدول للوافدين من خارجها، ألا يستحق التعليم والصروح والقلاع العلمية العربية من جامعات وكليات ومعاهد، جهة اعتماد وتحقق إقليمية ودولية هي الأخرى، تفحص وتفرز الشهادات والدرجات العلمية، وبحيث يتجاوز دورها دور السفارات والقنصليات والملحقيات الثقافية التي تختم بصحة توقيع وصحة ختم جامعة ما، دون أدنى علاقة لها بمحتوى الشهادة أو الدرجة التي تختم وتصادق على صحة أختامها وتوقيعاتها؟!

المقترح يختص بطرح آلية إقليمية ودولية عبر مجلس اعتماد إقليمي خليجي عربي أولًا ودولي لاحقًا لفرز وفحص واعتماد وإقرار الشهادات والدرجات والمعادلات بكل شفافية ونزاهة، وإعلان نتائج الفحص على الملأ عبر منصة رسمية وبشكل دوري، حرصًا على سمعتنا العلمية العربية وحماية للمخدوعين ضحايا الأسماء الرنانة للجامعات الوهمية، وتحذيرًا لدول أخرى من عواقب التعامل مع هذا المزور أو تلك.

الأمر ليس ترفًا، وليس سعيًا لمزيد من التعقيد والبيروقراطية عبر أختام إضافية، وإنما هو بالأساس انتصار للمستحقين غير المزورين، وانحياز للمصداقية والموثوقية والسمعة العلمية العربية التي تأثرت كثيرًا في الآونة الأخيرة، بسبب قلة منحرفة من المزورين!

تعليق عبر الفيس بوك