70 عاما على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

د. راشد بن حمد البلوشي  *

عميد كلية الحقوق - جامعة السلطان قابوس

في العاشر من ديسمبر من كل عام، يحتفلُ العالم بمناسبة صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، والذي صدر بموافقة 48 دولة من أصل 58 دولة؛ حيث تغيَّبت عن التصويت ثماني دول ، وامتنعت دولتان، هذا ولقد احتوى هذا الإعلان على مجموعة من المبادئ والحقوق تُعنى بحماية حقوق الناس وحرياتهم الأساسية، واشتمل على ديباجية و30 مادة، ركَّزت على الفئات الرئيسية للحقوق والحريات، بدءًا من الحقوق المدنية والسياسية، وانتهاءً بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتمَّ ترجمة هذا الإعلان إلى أكثر من 500 لغة حول العالم.

وبعد مرور سبعين عاماً على صُدور هذا الإعلان، نجد أنَّه من المناسب ذكر بعد المؤشرات حول تطور حقوق الانسان خلال السبعين عاما الماضية؛ حيث أصبحتْ اليوم كل دول العالم تقريبا لديها برلمانات وطنية، بينما قبل سبعين عاماً كان هناك فقط 26 برلماناً، والحال كذلك بالنسبة لمشاركة المرأة؛ حيث أصبحت المرأة تتمتَّع بممارسة حقها في التصويت والترشح في أكثر من 198 دولة في حين كان في العام 1948 محصوراً هذا الحق في 91 دولة فقط، كان مُعظمها يُعطيها حق التصويت دون الترشح، كما أصبحت النساء تمثل حوالي 24% في البرلمانات الدولية، ومن المؤشرات الإيجابية أيضا نجد أنه وبعد مرور سبعين عاماً من صدور هذا الإعلان، معظم دول العالم قد تبنت قوانين ونظم حقوق الانسان، ووظفتها على أرض الواقع، وتشير الإحصائيات إلى أنَّ أكثر من 111 دولة بين دول العالم قد تبنَّت القوانين والحريات التي استندتْ عند صدورها إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إلا أنَّه ومن جانب آخر، نجد أنَّ هذا الإعلان لم يستطع أن يُقلل من ويلات الهجرة والاضطهاد؛ ففي العام 2015، أجبر أكثر من 65 مليون رجل وامرأة وطفل على ترك منازلهم بسبب ويلات الحروب والاضطهاد، كما تشير الإحصائيات إلى أنه يكون شخصاً واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص معتقلين يتم احتجازه دون تهمه أو الحكم عليه حول أي جريمة، وفيما يتعلق بحقوق الطفل فإن الإحصائيات تشير إلى أن 29 % من الأطفال تحت سن 5 سنوات حول العالم لم يتم تسجيل ولادتهم، كما بلغت نسبة الأطفال في سن الصفوف الابتدائية خارج المدرسة 9% في العام 2008.

يُذكر أنَّ الفقرة الثالثة من المادة 29 من الإعلان، أكدت على الواجب الجماعي الذي يجب أن يلتزم به الأفراد إزاء الجماعة، وعلى أنه لا يجوز أن تُمارس الحقوق المنصوص عليها في الإعلان على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها؛ لذلك شخصيًّا أتفق مع رأي ليزا سوهاي -وهي مؤلفة أمريكية متخصصة في الكتابة عن الأطفال، ولها سبعة مؤلفات؛ من أشهرها: "عرائس البحر وجاك الأصفر"- عندما أكدت أن حماية واحترام حقوق الإنسان تبدأ من البيت؛ حيث إنَّ الكرامة والاحترام من الموضوعات البسيطة جداً، والمهمة جداً، التي تغيب في الكثير من الأحيان عنا، عند ممارستنا لحياتنا اليومية كأفراد في أسرة واحدة، وعندما يتعلق الأمر بالتفكير في حقوق الإنسان، فإننا لا نسأل أنفسنا كم مرة قُمنا فيها بالتعدي على حقوق الآخرين ممن نعمل ونعيش معهم؟ وكم مرة لم نُظهر لهم الاحترام اللازم الذي يحفظ لهم كرامتهم، هذا كله يتطلب من الجميع تضافر الجهود لحماية وصيانة حقوق الإنسان.

وأخيرا.. أختم هذا المقال بمقولة للسيدة إليانور روزفلت أرملة الرئيس الأمريكي روزفلت، رئيسة لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ حيث أكدت على أن تحقيق حقوق الإنسان يحتاج تضافرَ جهود الجميع لصونها وحمايتها؛ حيث قالت: "أين عساها تبدأ حقوق الإنسان العالميَّة في نهاية المطاف؟ لنقل في الأماكن الصغيرة، القريبة من المنزل -بل لعلَّها في أماكن قريبة جداً وصغيرة جداً إلى حدِّ أنه لا يمكن رؤيتها في أي خريطة من خرائط العالم. [...] ما لم تحظَ هذه الحقوق بمعنى في تلك الأماكن، فإنَّ معناها سيكون أقل شأناً في أي مكان آخر. وما لم تتضافر جهود المواطنين لصونها حتى تكون لصيقة بالوطن، فإنه من غير المجدي أن نتطلع إلى تعميمها في العالم أجمع."

 

* رئيس الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان بمنظمة التعاون الإسلامي 

---------------------------------

مصدر الإحصائيات:

- المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

- United Nation Human Rights Office of the High Commissioner

- The Universal Declaration of Human Rights Facts and Figures, 2018, Geneva.

تعليق عبر الفيس بوك