إقلاعٌ إلى الدقم وأخواتها

د. سعيد الحارثي

يُراودني بين الفترة والأخرى شعور ثائر تجاه دور المحاصصة، وأهميتها في المشاريع الحيوية الضخمة، التي تقع جغرافياً في محافظات بعينها، ولا تحظى بمثلها محافظات أخرى، وبالذات تلك التي لا تزال المناطق الصناعية فيها هزيلة مقابل الطموح الذي تنشده المرحلة الراهنة. إنَّ مستويات خلق اقتصاد محلي في كل ولاية من ولايات السلطنة مرهونٌ بالدرجة الأولى بآفاق الأنشطة التجارية والصناعية والسياحية المتوفرة، والتي ينبغي أن تنهض بها غرف التجارة والصناعة في المحافظات المختلفة، ناهيك عن الأهمية التي يحدثها عاملان رئيسان؛ هما: الموقع الجغرافي وعدد سكان الولاية أو المحافظة.

وعندما أعود بالذاكرة لعقدين وأكثر من الزمان، أجدُ أن المشاريع الاستثمارية الحكومية التي أقيمت في بعض الولايات أنعشت بدورها كلَّ أركان المجتمع المحيط، وأسست لقيمة مضافة لذلك المجتمع بالتوازي مع ما تُقدمه الحكومة من خدمات؛ حيث أوجدت تلك المشاريع آفاقاً رحبة في كل الجوار،  بدأً بالحراك الذي أسهم في تعزيز الأنشطة التجارية والصناعية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومروراً بالدعم المادي واللوجستي الذي كانت تتلقاه بعض المؤسسات الحكومية كالمدارس والمساجد والمجالس الأهلية، وبعض مؤسسات المجتمع المدني في تلك المحافظة التي يقع فيها المشروع، وانتهاءً بتوظيف أبنائها ودعم أفرادها من الأسر المعسرة. وكثيراً ما سمعنا عن مناطق الامتياز النفطي في صحراء محافظة الوسطى، وما تقدمه الشركات المختصة هناك من دعم وامتيازات أسهمت في تطوير المجتمع المحلي بالمحافظة. وكذلك الحال عندما أُنشئت الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال في ولاية صور، والتي بدورها أحدثت الكثير من التغيير في تلك الولاية والولايات المجاورة. وهكذا هي الحال بالنسبة للمشاريع التي أقيمت في ولاية صحار وولاية الدقم وولاية صلالة، إضافة لبعض ولايات محافظة مسقط.

وهنا.. يأتي الطرح حول جدوى تخصيص حصص استثمارية لدى المشاريع الحكومية الكبيرة؛ استناداً لمعيار المحافظة، أو معيار الغرف التجارية والصناعية؛ بحيث يُراد لتلك الحصص أن تُسهم في رفع مستوى الاقتصاد المحلي للمحافظات التي لم يُساعدها موقعها الجغرافي على إحداث النقلة النوعية التي يُمكن أن تمنحها قيمة اقتصادية مضافة، تسير جنباً إلى جنب مع الدور المحلي الذي تمارسه في تنويع أشكال التنمية والقائم على مقومات تحكمها الحدود الجغرافية للمحافظة. على أن تتم تلك المحاصصة من خلال طرح مجموعة من الفرص التجارية والصناعية، يستفيد منها الأفراد وأصحاب الأعمال في محافظات بعينها، وبمساهمة مُشتركة مع الحكومة؛ وذلك بدوره سيرفع من مستوى الدور الذي تقوم به الغرف التجارية في المحافظات المختلفة.

.. إنَّ عملية إشراك الغرف التجارية من جميع المحافظات في أوجه الاستثمار الذي تعمل عليه المشاريع الحكومية الكبيرة التي تقام في مناطق صناعية كالدّقم، سيُساعد بشكل كبير على ضخ الدماء في المؤسسات العامة للمناطق الصناعية في محافظات السلطنة الأخرى، كما سيُسهم في إنعاش الأعمال التجارية والصناعية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الولايات المختلفة. ولا يختلف اثنان على أنَّ إيجاد آلية للمحاصصة على مستوى الاتفاقيات وأوجه الاستثمار وتوزيع أنواع الأنشطة اللوجستية والتشغيلية سيكون له دور أساسي في تكافؤ الفرص التي تحتاجها المحافظات المختلفة؛ لتعزيز دورها وتنويع آفاقها الاقتصادية وتطوير خبرات أبنائها الاقتصادية؛ مما يُساعد على الدفع بهم لولوج سماء الاقتصاد العالمي مستقبلاً.

ويُمكن على سبيل المثال لا الحصر، أن يتم توزيع بعضٍ من أعمال القطاعات المختلفة على الشركات المتخصصة في محافظات السلطنة. ويتم توزيع حصص العمل؛ بحيث يتم منح امتياز الاستثمار في إنشاء الفنادق اللازمة في تلك المنطقة إلى رجال أعمال من محافظتين أو ثلاث، أو أن يتم ترسية أعمال النقل وتشغيل الشاحنات لأبناء محافظة أخرى، أو إسناد أعمال الكهرباء أو الصيانة أو النظافة إلى مؤسسات متخصصة من محافظة ما. وإسناد بعض الأعمال الإنشائية لعدد من المقاولين من محافظة بعينها... وهكذا، وهذا بدوره سيتطلب الكثير من التنظيم الهيكلي والإداري والتشريعي على مستوى قوانين العمل وإجراءات وقوانين التناقص... وغيرها، والله المستعان.

تعليق عبر الفيس بوك