قصة قصيرة: "من محطات الذاكرة"


نبيه شعبو | سوريا
من وراء النافذةِ يعبرُ ليلُ كانون وهو يتأبطُ صوتَ المطرِ والرعد ويلهثُ ريحاً كأنهُ يئنُ تحتَ ثقلِ البردِ وأكداس العتمِ..... فيتعثرُّ بصوتِ احتراق الحطبِ داخلَ المدفأةِ..... وما بينهما ارتحال صوبَ ذاكرةٍ تقلّبُ صفحاتِ دفترِ العمرِ... لتقرأ ما تيسر لها من سطورٍ موغلةٍ بالبوحِ بدءًا من الدروب الموحلةِ التي رسمت خط طفولتنا صوب المدرسةِ لنعبرَ منها إلى سنين الدراسةِ في الجامعةِ, من هنا بدأ قطار الحكايا يشقُ سكّتهُ...
وعبر محطاتٍ كثيرةٍ أودعنا على مقاعدها قصاصات حلمٍ لعشقٍ جميلٍ.. ووطنٍ يلفظ من استباحوه وعبثوا بنقاءِ الهواء..... فرِحتُ أستحضر تلك الغرفةَ الباردةَ بفسحتها الصغيرةِ وذلك السريرَ الذي اتسع أحياناً للّمةِ أصدقاء، وفي وسطها منضدةٌ نمدُّ عليها موائدنا المتنوعة.....
مائدةٌ من خبزٍ وزعتر ....مائدةٌ من أكداس  الكتب  في موسم معرضِ الكتاب في "مقهى الموعد ".....آلةُ التسجيلِ ....وأشرطةُ كاسيت أغاني الشيخ إمام ومسرحيات فيروز..... ورقعة  شطرنج تتوزع حولها  كاسات الشاي ولمةُ حوارٍ صاخبٍ  بالفكرِ والسياسة والحب، وقليلٌ من همومِ الدراسةِ....
هكذا عبرنا وكلٌّ منّا يستندُ على عكاز  أحلامهِ ... ويمضي صوبَ مفارقِ الدروبِ، للحظةٍ استوقفتني رعشة برد حين تخامدت النارُ في جوفِ  المدفأة.... أعدتُ ناظري أبحث عن دفءٍ...
كان وجهكِ قنديلَ عمرٍ صوبَ جنى العشق والهندباء..... وصورةٌ معلقةٌ ينهمر خلفَ زجاجِها ضياءُ حنين لنظراتِ من رحلوا بعدَ أن طحنوا شقاءَهم وعجنوه بقطرِ جباههم ثم خبزوه في تنورِ الأمنية رغيفاً طرياً، مازلنا نعتاشُ عليه ... تخامد النظر .. لملم البرد صقيعه وسقط في موقد الذاكرة...

 

تعليق عبر الفيس بوك