في الحلقة النقاشية "المواطنة الرياضية" بجامعة السلطان قابوس

توصيات بإطلاق مشروع "صناعة الرياضة" وإبراز أصحاب الإنجازات كنماذج وطنية

...
...
...

< مطالب بإعادة النظر في إستراتيجية الرياضة الحالية ومواءمتها مع التخطيط المستقبلي لرؤية "عُمان 2040"

< تطوير الرياضة المدرسية وتهيئة البيئة لإعداد أجيال تُؤمن بالقيم النبيلة للرياضة

أَوْصَى المشاركون في الحلقة النقاشية "المواطنة الرياضية" بتقديم الرياضيين وأصحاب الإنجازات كنماذج وطنية في الإعلام والمناهج الدراسية، وإعداد ميثاق للمواطنة الرياضية، وإعادة النظر في إستراتيجية الرياضة الحالية، ومواءمتها مع التخطيط المستقبلي لرؤية "عُمان 2040". كما أوصوا- في الحلقة التي عُقِدت بجامعة السلطان قابوس- بتمكين القطاع الرياضي؛ للمساهمة في النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل؛ وذلك من خلال إطلاق مشروع "صناعة الرياضة"، وتطوير الرياضة المدرسية، وتهيئة البيئة والسبل الكفيلة لإعداد أجيال تؤمن بالقيم النبيلة للرياضة وتعزيزها.

كما أوصوا بعقد مُلتقى عِلمي لـ"المواطنة الرياضية"؛ تُدعى إليه مُختلف الجهات ذات العلاقة والمهتمين بهذا المساق من تربويين ورياضيين وشخصيات قيادية، ويتم فيه استشراف المستقبل وتحليل الواقع من قبل المجموعة البحثية بجامعة السلطان قابوس، بالتعاون مع قسم التربية الرياضية بالجامعة.

 

 

الرؤية- أحمد السلماني

 

 

ونُظِّمت الحلقة النقاشية من خلال "مجموعة البحث العلمي" بجامعة السلطان قابوس، برئاسة الدكتور سيف المعمري، ومعاونه خلفان الناصري وسلمى العلوية، وشارك في الحلقة السيد خالد بن حمد البوسعيدي الرئيس السابق للاتحاد العماني لكرة القدم، ومحمد بن سالم الشحي عضو الاتحاد العماني لكرة القدم، ومحمد بن سليمان اليحمدي مدير دائرة النشاط الرياضي بوزارة الشؤون الرياضية، والدكتورة بدرية الهدابية رئيسة قسم التربية الرياضية بجامعة السلطان قابوس، والدكتور عبدالرحيم الدرويشي الأستاذ المساعد بقسم التربية الرياضية بجامعة السلطان قابوس، والدكتور علي اليعربي، والدكتورة منى حمدي أستاذ مساعدة مناهج وطرق تدريس التربية الرياضية، وأحمد السلماني رئيس قسم الرياضة بجريدة الرؤية، والمعتصم البوسعيدي الكاتب الرياضي بجريدة الرؤية. وأَدَار الجلسة حميد السعيدي، الذي بدأ بشرح الهدف من عقد هذه المناقشة، ثم تحدث السيد خالد عن المفهوم العام للمواطنة والتزام الفرد بالواجبات والحقوق، وضرورة ترسيخ مفهوم المواطنة بالمجتمع بكل شرائحه، خاصة الناشئة؛ كونهم عماد المستقبل، ثم تساءل السيد خالد: "كيف نسخر الرياضة لتعزيز قيم المواطنة؟"، وأجاب بقوله: "إننا في السلطنة نقف على أرضية رياضية متينة وصلبة، بإمكانها أن تحقق المزيد من الإنجازات الرياضية؛ الأمر الذي يرسخ وبعُمق علاقة المواطن بوطنه، وإيمانه الكبير بأهمية رسوخ هذه العلاقة وثباتها، نمتلك بنية رياضية تحتية مهمة، كما لدينا هيكلة مُؤسساتية رياضية تخدم هذا القطاع من وزارة ولجنة أولمبية واتحادات وأندية، وقاعدة عريضة فريدة من الفرق الأهلية، كما تم تمكين المرأة شقيقة الرجل رياضيًّا، ومنذ انطلاقة عصر النهضة المباركة؛ فشكل حضورها في المشهد الرياضي العُماني المحلي والخارجي انعاكسا مهمًّا، وأسهمت في وضع السلطنة على خارطة الرياضة العالمية".

وعرِّج السيد خالد إلى نقطة مُهمة حينما تحدَّث عن أنَّ للإنجازات الرياضية تأثيرا كبيرا في ترسيخ مفهوم المواطنة الرياضية؛ فالشعور بالفخر والاعتزاز بالوطن يتعمَّق عندما يُلامس مشاعر المواطن وهو يرى علم بلاده يرتقي السارية، والسلام السلطاني يصدح في الفعاليات الرياضية خاصة الكبرى منها، وأن يلتحف اللاعب العُماني علم بلاده على منصة التتويج. وأثنى السيد خالد على ما تحقق من إنجازات رياضية كثيرة؛ أهمها على الإطلاق: تحقيق لقب كأس الخليج لمرتين، لكنَّ الطموحات أكبر، وما زلنا لم نرتوِ بما يكفي من الإنجازات، وينتظر القائمين على الرياضة العمانية عملٌ كبيرٌ لتحقيق المزيد.

بينما تحدَّث محمد الشحي عضو مجلس إدارة الإتحاد العماني، عن الدعم والتمكين السامي من لدن جلالة قائد البلاد -حفظه الله ورعاه- للشباب العُماني منذ بدايات النهضة، وهو ما أسهم -بشكل كبير- في غرس مفهوم المواطنة بشكل عام، والانتماء والولاء للوطن، وقطاع الرياضة نال نصيبه الوافر من الاهتمام، وكلها كوَّنت علاقة انتماء، خاصة بين الرياضيين ووطنهم. وأشار الشحي إلى مساهمة رياضة كرة القدم في تحقيق مبادئ المواطنة الرياضية؛ لأنها اللعبة الشعبية الأولى بالسلطنة والعالم، كما أنها الأكثر تفعيلا بالأندية والفرق الأهلية؛ وبالتالي لا عجب أن تُدار من أكبر اتحاد لعبة، والإهتمام بها كبير، وما نراه في الملاعب من ظواهر تشجيعية للجماهير وفرحة اللاعبين بالانتصارات، هو في الأساس تعميق وترسيخ للمواطنة الرياضية للفريق والحارة والولاية وللبلاد عموما.

وتحدَّث الدكتور علي اليعربي عن أهمية غرس القيم النبيلة؛ ومنها: المواطنة، في المسجد والمدرسة والنادي؛ لنعلم إلى أيِّ مدى تراهن السلطنة على المؤسسات الرياضية في غرس هذه القيم، وأهمها على الإطلاق المواطنة، هذا عدًّا على أنَّ للرياضة إسهامات أخرى في خلق بيئة صحية بأبدان وعقول سليمة تُسهم في دورة عمل التنمية الشاملة في شتى المجالات بهذا الوطن؛ وبالتالي أسهمت الرياضة في خلق الشعور بالمسؤولية نحو بناء الوطن، فضلًا عمَّا نشاهده من مواقف ومظاهر لفرحة اللاعبين بالإنجاز كتقديم التحية العسكرية مثلا، وتقبيل شعار الوطن أو المؤسسة، وكل هذه الأجواء تنمِّي مشاعر الوطنية والمواطنة للاعب تجاه بلاده.

ولم يذهب الدكتور عبدالرحيم الدرويشي بعيدا، حينما وجَّه عتابًا للقائمين على المناهج الدراسية في تدنِّي مستوى تعزيز المواطنة؛ من حيث إبراز بعض الرموز الرياضية التي حقَّقت إنجازات رياضية للسلطنة؛ أمثال: محمد المالكي، وذكر لاعب التنس مدرك الرواحي، والجيل الذهبي لكرة القدم، والذي حقَّق كأس الخليج، ولعب في نهائيين خليجيين... وهكذا، فإنَّ من شأن هذا أن يغرس في الناشئة قيم الفخر والاعتزاز بالوطن وأبنائه، ويوثق عُرى أواصر الترابط بين المواطنين، ويبُث قيمَ الروح الرياضية واللعب النظيف والتطوع، وأثر كل هذا على المجتمع واللُّحمة الوطنية.

وتحدَّث مُحمد اليحمدي المسؤول عن تنفيذ برنامج "شجع فريقك" كل عام، والذي يستهدف الفرق الأهلية المنتشرة في مختلف ربوع السلطنة؛ ليُشير إلى أنَّ دور الوزارة إشرافي، ولتحقيق اهداف الرياضة كان لابد من إشهار الاتحاد العماني للرياضة المدرسية، والذي بدوره بدأ في إطلاق شراكات مع الاتحادات الرياضية الأخرى، وفق آليات مُقننة تهدف لاكتشاف المواهب الرياضية وأكثر من ذلك من حيث غرس القيم الرياضية النبيلة من خلال الرياضة، والتي تعتبر الوسيلة الأسرع والأكثر تأثيرا في غرس مفهوم "المواطنة".

بينما أكَّد المعتصم البوسعيدي أنَّ الإعلام هو السلاح الأقوى لصناعة الرياضة؛ فتدافعت القناعات بين الشدِّ والجذب، مع قناعة أنَّ الدور الإعلامي لا يخرج عن واقع الرياضة العُمانية الصعب بشكل عام، وما يُراد له وما يريده هو لنفسه، إعلام يجد مكانته في آخر سطور إستراتيجية الرياضة العُمانية التي استمرَّ إعدادُها ست سنوات تقريباً قبل وضعها في مرحلة التنفيذ بالخطة الخمسية (2011-2015)، واليوم نتحدث عن ضرورة صياغتها من جديد، بحكم أنها لا تواكب التطلعات.

وأضاف: المواطنة تنطلق من ذاتها إلى ذات الرياضة، وقبل وصولها للرياضة يجب أن يُدرك المختصون فيها واقع الرياضة العُمانية، وأين هي؟ وماذا نريد منها؟ كما طرحه السيد خالد بن حمد، وكيف نبلور ما نريده منها في الرؤية الوطنية (2040) كما ذكر ذلك الدكتور سيف المعمري. أما علاقة المناهج الدراسية بالمواطنة، فيجب أن تتحلى بروح المدرب كارتر الذي نوَّهتُ عنه في مقال قبل عامين، عند إشهار الاتحاد العُماني للرياضة المدرسية، وأهمية صناعة "الطالب الرياضي لا الرياضي الطالب". أما المال، فهو بالتأكيد ترياق الرياضة، أو عمودها الفقري، وفيما يخص الإعلام فالأمر يتعلق بممارسة دوره كصانع للأمل؛ فالواقع أكبر من أن نتجاوزه؛ حيث نحتاج لأولوية رياضية على سلم الخطط الوطنية، وبيئة رياضية تتعزز فيها المواطنة الصالحة، من بُنى تحتية تنبض بالحياة، وجُرأة كبيرة على التغيير، وإيمان راسخ بالطاقات العُمانية من أجل تحقيق الإنجازات العالمية خاصة الأولمبية منها؛ فمع الإنجازات تتحرك الأشياء إلى أماكنها التي نريد بسلاسة سريعة، والعكس صحيح.

وأشار إلى أنَّ الهدف الأعم يشمل كلَّ أطياف الرياضة من وزارة الشؤون الرياضية، إلى اللجنة الأولمبية، مروراً بالاتحادات واللجان والأندية، وصولاً إلى الجماهير الرياضية التي تورَّد إليها المواطنة وتقوم بتصديرها عبر مجموعة القيم التي تبني عُمان، على أن يكون الإعلام الرياضي صانعَ الحدث وقارئَ السطور ومقوِّم المسار، ومسوِّق صناعة الرياضة المزدهرة؛ وبالتالي فإنَّ المواطنة والرياضة ستُصبحان بالضرورة وجهيْن لعُملة واحدة "تنمية وتمكين وتطوير في إطار متعدد الثقافات".

وتحدَّثت الدكتورة بدرية الهدابية عن أهمية تعزيز الجوانب السلوكية -وليست النظرية- لدى الناشئة والرياضيين؛ وذلك من خلال تأهيل الكوادر الفنية المتخصصة في مختلف الرياضات، مُتسلحين بالعلم والمعرفة بالمدارس والأندية والمؤسسات الرياضية، ويمتلكون الأدوات لإيصالها وغرسها في الناشئة والرياضيين، مع ضرورة أن يواكب ذلك أدوات للتقييم والمتابعة إلى أي مدى تسير رياضتنا في مسارها الصحيح نحو خلق أجيال رياضية صحيحة البدن والفكر، تبني الوطن الذي تنتمي إليه. وعادت الدكتورة بدرية بالذاكرة للوراء قبل أكثر من 3 عقود تحديدا، عندما حقَّق نادي فنجاء أول بطولة كروية للسلطنة، وإلى أيِّ مدى مثَّل ذلك الانتصار حضورا استثنائيا عمَّت أفراحه أرجاء الوطن، وخلق للنادي قاعدة جماهيرية عاشقة لكيانه حتى اليوم.

وتحدَّثت الدكتورة مروة حمدي عن تجربة "الألتراس" بالنادي الأهلي المصري، وبقية أندية العالم، وما يمثله ذلك من ترجمة لعلاقة الجماهير وانتمائها للكيان الرياضي، كما أنَّ الحلقات الست التي تكوِّن شعار الألعاب الأولمبية أو اللجنة الأولمبية الدولية، إنما هي عبارة عن القيم النبيلة التي تحملها الرياضة والألعاب الأولمبية؛ وبالتالي فإنها -ومنذ انطلاقتها، ومنذ العصور القديمة، واستمراريتها- دليل على إدراك القائمين والمؤتمنين عليها لسمو رسالتها، وأنَّ الرياضة كانت ولا تزال الأكثر تأثيرا في غرس هذه القيم ومنها المواطنة الرياضية؛ وبالتالي ترى الدكتورة مروة ضرورة أن تعزز المناهج الدراسية بالنماذج الرياضة المشرفة العربية، والعمانية تحديدا.

بينما يتحدث أحمد السلماني عن الدور المؤثِّر والخطير في وقت واحد للإعلام بشكل عام، والإعلام الرياضي بشكل خاص، في إبراز كل ما يتعلق بالمنظومة الرياضية بالسلطنة، ووضع المتلقِّي في معمعة الأحداث الرياضية والرياضيين، وإبرازهم بالشكل المطلوب، والأهم من ذلك كله -ولأنه شريك أصيل للرياضة، ومتلازمان معًا- فإنَّه بات من الضرورة بمكان أن يتم توجيه الإعلام الرياضي المسؤول نحو بث روح المواطنة الرياضية، وإبراز القيم النبيلة للرياضة، وتعميقها في عقول الناشئة بمسؤولية ومهنية عالية.

وأكَّد السلماني أهمية إتاحة الفرصة للشباب لإبراز قدراتهم وإمكانياتهم في شتى المساقات، والرياضة واحدة منها؛ للتعبير عن حبهم وولائهم وانتمائهم لوطنهم، وأنه حتى تلك الظواهر السلبية التي نرى في ظاهرها السلوكيات غير الحضارية لدى بعض الجماهير، إلا أنَّ باطنها يحمل منظورًا إيجابيًّا جدًّا يتمثل في الغيرة التي تنبع من حبِّ الكيان الرياضي أو المنتخبات الوطنية على سبيل المثال لا الحصر.

ثمَّ تحدث السيد خالد قائلاً: منذ بدايات النهضة الحديثة للبلاد، وقائدها المفدى -حفظه الله ورعاه- يولي الشباب أهمية قصوى؛ كونهم عماد الوطن؛ لذا فليس غريبًا أن تمتلك السلطنة هذه البنية الرياضية التحتية التي نُحسد عليها، والواسعة الانتشار، وأن نمتلك هيكلة مؤسساتية رياضية تسير وفق منظومة قواعد وقوانين مُنظِّمة لها؛ فما الذي يمنع في أن تتغير مفاهيم التعاطي مع الرياضية العُمانية بالانطلاق فضاءات أرحب نحو التنافسية والصناعة؛ كون الكثير من بلدان العالم اليوم باتت تقف على أرضية لـ"رياضة صناعية" تُساهم بالمردود الاقتصادي لها؛ من خلال خلق الوظائف، واستضافة البطولات والفعاليات والمؤتمرات الرياضية، بما يُسهم في نمو الحركة الاقتصادية بالبلاد.. وأضاف: هنا، لا بد من تقييم النقطة التي وصلت إليها الرياضة العمانية، وهل حقَّقت الأهداف من إطلاق إستراتيجيتها؟ أعتقد ويتفق معي الحضور -والكلام للسيد خالد- أنَّ النتائج لا تُنبئ بذلك، وإنَّ مُراجعتها باتت ضرورة مُلحة، والانطلاق نحو صناعة الرياضة أمرٌ حتميٌّ إذا كنا نريد أن نمتلك الحس التنافسي؛ فالعالم يتطور، هذا إذا كنا نريد أن يوجد للرياضة مكان في رؤية "عُمان 2040"، ووزارة الشؤون الرياضية ليست وحدها المسؤولة عن نجاح أو فشل الإستراتيجية. وحقيقة، فإنَّ ملف "دوري المحترفين" الذي تبناه اتحاد الكرة في حينه كان من الممكن أن يُمثِّل اللبنة الأولى لبناء "صناعة رياضية محترفة"، ولكن الإرادة شاءت أن لا يستمر المشروع.

وهنا، أكد محمد اليحمدي أنَّ إستراتيجية الرياضة قابلة للتعديل والإضافة والمراجعة، وليس هناك ما يمنع من ذلك وهذا ما سيتم.

واختتم الدكتور سيف المعمري رئيس المجموعة البحثية، الحلقة النقاشية، بتوجيه الشكر للمشاركين، وأكَّد أهمية التفكير في المستقبل الرياضي للشباب، وعدم تفريغ "الرياضة" من قيمها النبيلة التي تلازمها، خاصة تلك المتعلقة بـ"المواطنة الرياضية"، والشعور الرياضي الوطني؛ فالفوز ينتهي مع التتويج، إلا أنَّ القيم يجب أن لا تنتهي.

تعليق عبر الفيس بوك