الأنثى أساس الوجود

 

إيمان بنت خميس الكعبية

وتبدأ الحياة من حيث لا نعلم، ثم نخلق بمكان لم نخير به، وتجري الأقدار كما كتبها الله لنا، ولكن الله لم يكتب الشقاء لعبد من عباده لم يختر له دروب الذل والإهانة، دروب لم يسلكها العبد بإرادته، هي مجتمعات أحطت بنا، مجتمعات ركلها الزمن خلفه، وكأننا ما زلنا بعصر الجاهلية الأولى، عصر كان يرفض وجود الأنثى ككائن بشري حي، كعنصر لا يخلو منه المجتمع بكل أشكاله، عصر لم يدرك أن الأنثى هي نصف المجتمع وهي المنشئ الأساسي للنصف الثاني.

ما زلنا في زمن يستحي خجلا من وجود الأنثى، تتلون وجوههم ببشارة مولودة جديدة، مجتمع ركل حرية حمامة بيضاء منذ ولادتها، مغلقا جميع سبل العيش لها، يطعمها ويكسيها، يوفر لها كل ما هو مادي للعيش، ولكن جهله لم يخبر فكره أن الأنثى لم تقيد كعصافير زينة، تتوق شوقا لمعرفة العالم الخارجي، تلهف روحها لرؤية الحياة بشكل آخر، تطمع لمعرفة المزيد من الحياة، أقتصر مجتمعها حياتها بدائرة مغلقة، لا علم ينفعها، ولا درس يعلمها، ولا أم مثقفة تنمي فكرها، أصبح العقل متجمدا كالجليد، خلاياه تأبا أن تنمو، ويبقى السؤال.. من أين لها أن تنمو؟ وهي بنفس الفكر لا شيء جديد، ولا عمل يفيد، ولا ثقافة تنميها لجيل وعيد.

إنّها لا تزال مجتمعات لا تعترف بوجود الأنثى، وكأن الرجل سلطان على عرش بيته، والأنثى هي جارية في قصره، لا يعرف ما معنى أبنه أو اخت أو زوجة أو عمه، هو أساس البيت وقوامه، وكل كلمة تعتبر دستورا في قاموسه يستحيل أن يخل بها أو ترفض لأي سبب كان، ما زالت الأنثى في هذه المجتمعات غير قابلة للتعليم والتثقف، هي مصنع للأبناء لا أكثر، دمية بشرية، تنتج ذكورا لا أكثر.

"وليس الذكر كالأنثى"، هذا هو مبدأهم في الحياة، "والرجال قوامون على النساء"، أتخذوها في كونهم ذوي جبرة وسلطة على نسآئهم، ولم يعلموا أن جهلهم أدى بهم لفهم كتاب الله خطأ، فالرجل عون وسند للمرأة، حصن لها، حافظ لكرامتها، عون لضعفها، حاميا لشرفها، هو أب يحن عليها، وأخ بعينه يخبئها، وابن دائما يرضيها، ويبقى الملجأ لها في شدائدها. والمسكن لها في عريها.

إنّ العلم بات لهم شيء لا يدرج الأنثى تحته، لا يهم في ما كانت الأنثى متعلمة، مثقفة أم لا، يتمنون لابنهم أعلى المراكز والمناصب، يريدون منه الترسخ بالعلم و رفع رؤوسهم باسمه، أوليس للأنثى حق بذلك!!.. أو لم تخلق من نفس الأم، أو لم تنجب من نفس رحم حملها هي والذكر كلاهما تسعة أشهر، أو لم يكن لها حق كالذكر بالعيش، أوَ خُلِق الشرف باسم الذكر وللأنثى العار، ولنكون على حق يقول قاضٍ لم تصلني حالة في عقوق الوالدين من أنثى، وإنما كانوا جميعا ذكرانا، ومع هذا لا زلنا نشعر بالضيق لرزقنا بأنثى!. ألا يكفي أنّ رسولنا الكريم قال في حديثه الشريف:" من كان له ابنتان أو أختان فأحسن إليهما كنت أنا وهو هكذا بالجنة". وأشار بالسبابة والوسطى، علموا أنفسهم أم "هم البنات إلى الممات" وعلمهم رسول الله أن البنت تأشيرة سفر إلى الجنة، ألا يكفي كونهن سببًا في دخولهم الجنة بلا حساب ولا سابق عذاب فقط بالإحسان لهن، ألا يعلمون أنّ بإحسانهم لهن يستحيل أن يوقعهن حياءهن في معصية تسود بها وجوه أهليهن، كل هذا فقط بالإحسان للأنثى.

أصبح الإيمان بمعتقداتهم أكثر من اللازم، يؤمنون بكلام اختلقوا ألفاظه بألسنتهم، كقول" نار القريب ولا جنة البعيد"، أصبحت الأنثى رهنا لمن يصلها بالدم، لمن قدر أن يكون ابن عم لها، لا علم ولا ثقافة، لا أدب ولا أخلاق، لا مظهرا تستطيع النفس تقبله، ولأنه فقط ابن عم، ولأنه فقط جزء من الأهل تكون الأنثى ضحية لا تستطيع رفض واقع سقطت به، وإذا انتهج الأولاد على سلوك وتصرفات مسيئة كآنت العاقبة واللوم تقع على الأنثى؛ لأنها لم تحسن التربية، ومن أوهمهم أن عادات الابن من نهج أمه، خلق جنيا لا يدرك شيئا، فتح مقلتيه على الدنيا ليجد أبا قدوته الأولى في الحياة، ليتعلم من طبائعه ونهجه وتصرفاته وعاداته، فلمْ يدعوا للأنثى اختيار رفيق حياتها!؛ فقط لأن عاداتهم وتقاليدهم حكمت بذلك، والأقربون أولى بالمعروف، حتى ولو كانت هناك حياة أنثى تدفع ثمن خطأ لم ترتكبه طوال حياتها،

وختاما تبقى الأنثى أرق مخلوقات الله بالأرض، أمٌ تعطي بلا اكتفاء، أخت تحن، وابنة تحب والدها أكثر من حبها للعالم جميعا، تبقى الأنثى وطن سلام عندما تحتل الأوطان، دار أمان إذا شاع الخوف والظلام، قلب حنان إذا سهرنا على مدى الأيام، فهي للحياة أساس يستحيل أن يهدم، وللقلب وتين يستحيل أن يعدم، وفي العدم هي أساس الوجود، وفي المستحيل هي أساس الصمود، هي المعطي بلا ملل، وهي المسرف حب بلا كلل، هي قلب يستحيل أن يكسر وطاعة للرب بإحسانها تعمر، فلا يتطلب من المجتمع سوى بعض الاحترام لروح الأنثى، سوى قليل من التنفس والحرية، جعلها مساوية للذكر في التعامل، وإعطائها جميع سبل الثقة بها، وإتاحة الفرصة لها لتكون جزءا مثقفا في المجتمع، الأخذ بيدها للعلم، واختيار شريك يكون معها في السراء والضراء، في فرحها وحزنها، في وقت شدائدها ووقت نجاحها، يكون لها حصنا بعد والدها، وترك قريب ذليل لها، هي روح ليست كأية روح، أوجدها الله لتكون أساس كل شيء نحن عليه، لتعمر مجتمعا لا ينشأ بدونها. ولتكون حياة لا تنتهي بالعطاء، لتكون هي أساس الوجود من العدم وتكون للعدم هي الوجود.

تعليق عبر الفيس بوك