..هل نمت ليلة أمس؟!

 

بقلم: د. سمير محمود

 

رفضت أبنتي الصغيرة كل محاولاتي لحثها على النوم وقد أنتصف ليل القاهرة، وبالمثل فشلت محاولات الأم للخلود إلى النوم، رغم أن الجميع مرتبط بمواعيد صباحية مبكرة في اليوم التالي، ما بين مدرسة الأبناء، ومراجعة طبية لأمهم، وارتباطي بموعد عمل مبكر، إلا أن الأرق سيد الموقف، ولا أحد ينام في هذه المدينة!

الحقيقة أن الأمر أستوقفني بشدة، خاصة أنه لا يتعلق بليلة الأمس فقط، بل بأيام وليالٍ طويلة خلت، وأتصور أن تستمر حالة الأرق واضطرابات النوم لأيام وليال أخرى آتية إن كان بالعمر بقية؛ لكن ترى ما السبب، وهل الأمر حالة عامة تطال الصغار والكبار؟ ففي السابق كانت حالة الأرق والنوم المستحيل تلك تنتابني، لدى تغييري لمكان نومي مع كل سفر أو تنقل أو تغيير لمكان إقامتي خاصة في الأيام الأولى، إما أن تسيطر الحالة نفسها عليّ في بيتي ومحل إقامتي الدائم بالقاهرة ، فهذا أمر مربك ويستدعي التأمل!

لسنا من قاطني الأحياء الصاخبة، ولا من عشاق القهوة أو غيرها من المشروبات والمنبهات التي تطرد النوم من العيون؛ فماذا جرى لحياتنا وقلب أوقاتنا رأسًا على عقب، حتى نترجى النوم ولا يأتي؟ أتذكر طفولتي وبعض سنوات شبابي في منزل العائلة أو منزل جدتي، وأقارن حالي بحال أبنائي، إذ كنت أخلد للنوم بالساعات الطويلة دون انقطاع أو أرق أو إضطراب، في وقت بات هذا الجيل ونحن معهم، كائنات ليلية لا تنام.

 الإجابات البسيطة المباشرة والملموسة التي قد أتلمسلها ببيتي وبيوت كثيرة للأهل والأصدقاء والمعارف، تشير إلى وجود شاشات تليفزيون على جدران كل الغرف المخصصة للنوم، شاشات تعمل بانتظام، ولا تتوقف إلا أوقات بقاء الكبار أو الصغار خارج المنزل، ومن شاشات التليفزيون إلى شاشات الجوالات وجميع الأجهزة اللوحية التي باتت تتلألأ بأضوائها أسفل أغطية النوم في غرف الأطفال وتحت الوسائد!

يسرت التقنية حياتنا لا شك في ذلك، إلا أنها سرقت النوم من عيوننا، وخطفت منا الراحة والخصوصية، كما سلبتنا الذاكرة والتركيز وغيرها من العمليات النفسية والعقلية التي يمكن لأي باحث مبتدىء أن يرصد آثارها، تؤكد ذلك دراسات عديدة حول مستوى التحصيل الدراسي، ومستوى تركيز وإنتباه النشء والشباب، ومستوى تفاعلهم المفترض في المدراس ومقاعد الدراسة بالجامعات أيضًا.

والحقيقة أن مشكلات النوم واضطراباته، ليست وليدة اليوم فقط، وبالطبع ليس سببها الوحيد الأجهزة الإلكترونية التي احتلت حياتنا، وإنما لها ارتباطاتها الأخرى بعاداتنا وسلوكياتنا اليومية، ومنها عاداتنا الغذائية، إذا أكد خبراء معامل النوم المنتشرة في العالم، أن لبعض الأطعمة تأثيرها المباشر وغير المباشر على النوم ومعدلاته، والأمر نفسه بالنسبة للمشروبات، كما أوجدت دراسات الأمن والسلامة على الطرق، أن نسبة غير بسيطة من حوادث السير، تقع بسبب نوم أو غفلة السائقين على الطرق، وأن أغلبهم يقودون السيارات والحافلات الكبرى، تحت تأثير مواد مخدرة ومسكرة، لهدف الاستمرار أطول فترة ممكن في يقظة تامة، وهي كما أكدت الدراسات يقظة وهمية، إذا تظل العيون مفتوحة في وقت يتخدر الذهن ويخورالجسد تمامًا.

مرضى الاكتئاب والانطواء والعزلة وبعض الأمراض النفسية والعصبية الأخرى، لهم معاناتهم التي لا تنتهي مع النوم، ولم يبالغ عمر الخيام حين قال:

ما اطال النوم عمرًا     وما قصّر في الأعمار طول السهر

ومع ذلك جرب عزيزي القارىء وأنا معك أن نفصل قليلًا، من الجهد والتشتت الذهني، ومن الارتباطات والمثيرات المتعددة، ومن ضغوطات الحياة – على كثرتها وصعوبة ذلك – وافصل جوالك ليوم كامل، افصل شاشات التلفاز، افصل جميع الشاشات والأجهزة المثيرة للصخب، ألعاب الفيديو وغيرها، وافتح عينك على الحياة، فربما وقتها تودع القلق ويغالبك النوم!.

د. سمير محمود

كاتب صحفي مصري

Dr.samirmmahmoud@gmail.com

 

 

تعليق عبر الفيس بوك