عمان التي في خاطري

 

خالد عبد اللطيف*

* إعلامي سوداني

 

هكذا هي.. أناسها سيماهم على قلوبهم من أثر الطيبة والمحبة.. هم من لوّح بإعلام بيضاء في وقت الانتصار.. وعندها ظل القمر يكتمل بوجه صبوح.. فأضحت ترفل في عز عتيق ومجد تليد لم تفتعله صدفة عابرة أو ادعاء كاذب.. فالتاريخ حين كان يطلق صرخة ميلاده الأولى كان العمانيون ينسجون في بحار الأرض بساطا مخمليا ظل يطفو ريثما تأتي السفن باحثة عن أشرعة الخلود.. يومها عرف الناس معنى البوصلة والإبحار عميقا في نسج موشى بالتواصل والتواد..

لماذا تمددت رقعتهم المباركة وصارت إمبراطورية في زمان لا مكان فيه للمدعين والضعفاء.. غير أنّها لم تكن قوة بطش أو ادعاء معرفة وإنما سماحة خلق وعفو عند المقدرة.. لذلك انفتحت الأبواب وقبلها القلوب لهذا المد القادم إلى أن صار دنيا بكاملها وانصهارا وتمازجا ورؤية فريدة لعالم مغاير ومختلف.. ساد حقبًا ولم يندثر حتى بعد عاد إلى جغرافيته الأولى ظلت أجزاؤه مستقلةً مكانًا.. مرتبطةً وجدانًا إلى يومنا هذا..

ما سِرُّ كل هذا القبول.. هناك من قد يسأل.. لماذا وصفت فتوحاتهم بالإنسانية وغيرهم بالدامية والمستعلية.. ثمة شيء ما يجعل هؤلاء القوم مرحب بهم أيّنما حلوا.. موثوق فيهم حيثما كانوا.. أهو الصدق.. أهو الوفاء.. أهو الصفاء والنقاء.. أهو كل ذلك وأكثر؟ فالبحاثة ورواة التاريخ قالوا من قبل ومن بعد كلمتهم.. وبصموا بالعشرة على فرادتهم وقوة عودهم وصلابة سواعدهم.. قالوا لو أرادوا لإمبراطوريّتهم أن تسود العالم كله آنذاك لكان لهم ذلك.. لكنهم آثروا أن تمضي الحياة بتنوع أمكنتها وشعوبها وقادتها.. فربما في ذلك إثراء للتجربة وإغناء لفكرة العولمة التي أتت لاحقا.. نعم منذ ذاك الحين وهم يفكرون بهذه الطريقة المدهشة.. منذ أن تعلموا وعلموا بالشفاهة والقلم.. لغة ونحوا.. فقها وشريعة.. وبرعوا نثرا وشعرًا.

هم العمانيون لا سواهم.. سادة البحار.. وقادة الصبر.. وزعامة الحكمة والحصافة.. واللباقة والكياسة.. في كل ضروب الحياة.. وصنوف العلوم ومجالات الفكر.. سباقون وأصحاب قدح معلى.. فلاغرابة أن يكون الحاضر موصولا بالماضي، وأن تمازج الأصالة المعاصرة.. وأن يصبح الآني أزهى.. والماثل أحلى.. والقادم أروع بحول الله.

نهضة عملاقة شامخة.. قائمة على ركائز راسخة.. ودعائم ثابتة.. عمادها الإنسان ومبتغاها الإنسان.. منه وإليه تدور عجلة الزمن إلى الأمام مدفوعة بموروث ضخم من القيم ومنظومة محكمة من الأفكار الخيرة النيرة.. فجلالة السلطان حفظه الله الذي قاد نهضتها وأرسى قواعد نموها وتطورها وتقدّمها عاشق كبير للوطن.. رعاه خطوة خطوة ولم تشرد عيناه عنه للحظة.. حارسا أمينا وأبا عطوفا وقائدا ملهما.. أحب الكل وجعلهم أبناء له.. منحهم من عطفه وحنانه ومحبته.. وسورهم بسهره ويقظته وحكمته.. جعلهم سواسية وبلد يتسع للجميع.. عزز من ثقتهم في ذواتهم وكرس من إرادتهم في عيش أمن ومستقر.

هل بإمكان حواسيب العصر إحصاء هذا الذي أنجز في سنوات النهضة المباركة؟.. من يحصي الصروح ويعدد المنارات؟.. من يكتب عنونة صباحات المدن الأجمل والأنظف بشهادة القاصي والداني؟!.. ومن قال إنّ الذي قيل هو كل شيء؟!..

عمان لم تكن يومًا طرفا في أزمة.. أو سببا لمشكلة.. بل ظلت دوما وسيطا لصلح.. وطريقا لالتئام وهمزة للوصل لا للقطع.. وعمان ساعية بلا من أو أذى لوفاق الأقربين والأبعدين.. مهمومة بجراح الضعفاء والمحرومين.. مسكونة بسلام البلاد والعباد.. كي يصبح العالم أجمل والحياة أروع.. والنّاس كل الناس في أمن وأمان.. تواد ومحبة.

ذراعاها المفتوحتان وآبوابها المشرعة وحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة.. من جاءها ومن سيأتي وجدها الملاذ الآمن والأمل المرتجى.. هم ليسوا غرباء وإنّما في أوطانهم.. وهل حدثوا بغير ذلك حين عودة وإيّاب.. من قال بغير ذلك.. لا أحد.

وبعيدًا عن ذلك.. تحتفي السلطنة بيوم نهضتها المباركة وقد بلغت مبتغاها في الإعمار والعمار.. وأحكمت وجهتها نحو بلوغ غايات الرفعة والتقدم والازدهار.. وقالت كلمتها للعالم.. كل العالم.. أن تعالوا لكلمة سواء.. السلام ثم السلام ثم السلام..

ولم ينته الكلام بل يبدأ الآن النشيد وتتقاطر الذكريات وتتوالى الحكايات.. وكل في حلمه الهانئ ويقظته الوادعة يرسم اللوحة الأجمل لبلد يحبونه بلا زيف أو تملّق.

تعليق عبر الفيس بوك