الاجتهاد والخلاف الفقهي

 

فوزي عمار - كاتب ليبي

كان الخلاف بين الفرق الإسلامية كالمعتزلة والأشاعرة وغيرهم في الظنيات لا في القطعيات، في المتشابهات لا في المحكمات في الفروع ليس في الثوابت والعقيدة؛ من باب: هل الله أمر بالخير لأنه خير ونهي عن الشر لأنّه شر..

أم أن الخير خير لأنّ الله أمر به والشر شر لأن الله نهى عنه؟ تبني المعتزلة الرأي الأولي والأشاعرة الرأي الثاني.

 واختلف الفقهاء في قضايا ومن أهمها قدم العالم وانقسموا بين من يقول إن العالم قديم ومن يقول إن العالم مُحدث..

الغريب أن فقيه مثل ابن تيمية الذي أسس إلى النقل على العقل قد انحاز للفلاسفة وقال بقدم العالم مثلهم مما يجعله يقف في صف من كفرهم وجاء الدور عليه ليُكفر هو نفسه أيضا من قبل من كانوا أنصاره..

ومن أجمل وصف قرأته في موضوع قدم العالم أو أحداثه.. هو أن الله أوجد الأشياء عن عدم وأعدم العدم فأصبح العدم وجود.

 قضية أخرى اختلف الفقهاء فيها وهي الزمان والمكان وهل المكان ثابت أم متحرك. فبالرغم من أن الفيلسوف الصوفي ابو حامد الغزالي قد انتصر على فلاسفة العقل مثل ابن رشد.. إلا أنّ رأيه في أنّ المكان متحرك وليس ثابتا قد أثبتته التجربة العلمية (الأمبريقية) وقال المتكلم الغزالي إن بعد الزمان وبعد المكان لا يمكن الفصل بينهما ولا معنى للزمان بدون المكان وقال إنّ العالم محدث ومن خلق الله وليس قديما وبرهن بأنه إذ نتفق على أن الزمان دالة في الحركة فإن الكون متحرك وليس ثابتا.. وهذا ما أكده العلم الآن وثم قياس عمر الكون بأنه يقترب من 14 مليار سنة. تحديدا 13.7مليار سنة. وأن الكون يتمدد وليس ثابتا.

العجيب أن القرآن وصف الزمان بأنه علاقة لمنظومتنا الشمسية حين قال (ألف سنة مما تدعون) وفي مقام آخر (خمسون ألف سنة مما تعدون).. وهو وصف دقيق فالسنة لها علاقة بدوران الأرض حول الشمس.. وأي قياس خارج المنظومة الشمسيّة لا تعني السنة شيئا وهذا ما شرحه اينشتاين في نظرية النسبية وفشل فيه نيوتن.

اشتغل مفكرون إسلاميون بالعلوم وقادوا الأمة إلى مشروع نهضة حقيقي بدأ بمشروع الحداثة.. فالحداثة مثلا التي وضع لها هيغل مفهوما واضحا حيث بدأ تعريفه لها أنها ظهرت مع عصر التنوير والعصور التي تشكل تجددا مستمرا وحركة نهوض وتطوير وإبداع هدفها تغيير أنماط التفكير والعمل والسلوك وهي حركة تنويرية عقلانية مستمرة هدفها تبديل النظرة الجامدة للكون والحياة والأشياء إلى نظرة أكثر تفاؤلا وحيوية وهذا ما فعله مفكرون إسلاميون اشتغلوا على الاجتهاد المستمر الذي يجعل الإسلام صالحا لكل زمان ومكان.

 فلقد وضع عصر النهضة الإسلامي أول أسس مشروع تحديث وتنوير وتطوير اجتماعي واقتصادي وثقافي شامل بدأ من القرن التاسع وحتى الثالث عشر الميلادي، حدثت فيه نهضة فكرية اجتماعية قادها مفكرون مسلمون مثل الفارابي وابن رشد وابن باجة والتوحيدي وابن مسكوية وابن سينا وغيرهم.. وكان العرب والمسلمون يشكلون مرجعية ثقافية لمفكري أوربا حتى عصر النهضة فقد تأثر الأوربيون بالمفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين خصوصا الفارابي وابن سينا وابن رشد وحتى الكندي..

فقد جسّد هؤلاء انفتاحا على العلوم الدنيوية العقلانية فكانوا يجمعون بين علوم القرآن والفلسفة من دون الشعور بالحرج ومكنهم ذلك من القدرة على التطور والإبداع.

تعليق عبر الفيس بوك