الولاء والبراء.. والعداء

غسان الشهابي

وكأنَّ الجماعات متعددة الانتماءات في الوطن العربي لا تتعلَّم من التاريخ، أو لا تريد أن تتعلم منه؛ لأنها تكرر أخطاء من سبقتها من جماعات أخرى، ربما تكون من الطيف الفكري أو الديني نفسه، أو ربما تكون مغايرة تماماً، تستخدم لفترة من الزمان، ليقوى عُودها، ثم ما تلبث أن تجد نفسها خارج اللعبة تماماً.

لقد استخدمتْ العديد من الأنظمة العربية هذه الجماعات الجائعة للسلطة، لكي تقزّم جماعات أخرى مهددة للسلطة القائمة، أو بدأت تتنمر، أو تتمرّد على وليّ نعمتها، وأخذت تتطلع إلى ما وراء الدور المرسوم لها، وصارت قوة تتفلت ولا يمكن السيطرة عليها، وغالباً ما تنمو هذه القوى بأسرع مما يمكن الإحاطة به، فتصبح هناك مسافة شاسعة ما بين المركز واتخاذ القرار، وما بين أطراف وذيول هذه الجماعة أو الحركة، وغالباً -أيضاً- ما تظهر ثنائية الصقور والحمائم في هذه الحركات، آملة الحصول على مواقع متقدمة من صنع القرار، وتطفو على السطح الانقسامات بين من يريدون الإبقاء على "نقاء" عقيدة هذه الفئة أو الجماعة، ومن لا يرى بأساً في براجماتية الحراك؛ فتبدأ الأخطاء تحيط بها، وتتخبط في حركاتها، وتصبح ثقيلة الحركة خطيرتها. وهنا؛ تبدأ رحلة الأفول والذهاب إلى التخلص من هذه الجماعة التي استنفدت دورها، وأدّته على خير وجه، وسُرعان ما تقوم هذه السلطات بتقوية جماعة أخرى مناهضة، حتى إذا ما استكملتْ قوَّتها وعنفوانها؛ جرى إطلاقها على الفصيل السابق لتحل محله، وتبدأ المسألة مُجدداً.

لقد جَرَى استخدام هذه اللعبة الخَطِرة على مرِّ عقود مضت، وأثبتت أحياناً أنها ناجحة، لكنها لعبة مكلفة أيضاً إن انفلت زمامها، وصارت مهددة للدولة بأسرها، وليس للمنافسين لها؛ لأنها ستغدو ترى النظام وكأنه تبرّأ منها، وأسلمها للريح، بل ويحدث أن تقوم بعض الأنظمة بوصم ربائبها هذه بأنها حركات إرهابية، وتسعى لوضع تنظيمها على الأجندات الدولية المحاربة للإرهاب!

القول بأنَّ أنظمة بكل أجهزتها ومستشاريها وخبرائها وتاريخها واتصالاتها ما كانت لتدري الاحتمالية الكبيرة لانقلاب السحر على الساحر، وأن النهاية واضحة للعيان لأنها وليدة البدايات المتكررة؛ لهو قول عابث، فإن كانت الغفلة تجوز على الجماعات مع تشككها المبدئي في تقريب السلطة لها، فإن غفلة السلطات تؤدي إلى الدمار.

تعليق عبر الفيس بوك