علي بن سالم كفيتان
يُحكى أنَّ ريسوت مدينة ساحلية من نواحي ظفار وبها ميناء عامر منذ قرون خلت وكان يُشكل المنفذ الرئيسي للتجارة والسفر إلى مختلف بقاع الدنيا فإليه تفد المؤن ومنه تصدر المنتجات وشكل راس ريسوت الجبلي خلفه مرفأ طبيعياً ظل عامراً بالحركة والنشاط لفترات طويلة نسبياً، وفي هذه المرفأ كانت معركة البقر ضد البرتغاليين حيث تم إجلاؤهم قسراً منها بعد أن استخدم أهل ظفار الأبقار كسلاح لطرد الغزاة والمعتدين وكتب المستشرقون عن هذه الواقعة وأوردوها في عدة مراجع توثق تلك الحقبة من النضال غير التقليدي.
ظل الميناء يعمل بشكل موسمي نظراً لطبيعة الرياح الموسمية التي تجلب معها الأمواج العاتية خلال فترة الصيف بينما ينتظر الناس موسم الفتوح (بعد الخريف) لإعادة الحياة إلى نافذتهم الوحيدة للعالم. ومع مطلع النهضة المباركة شيد الميناء وأصبح أكثر قدرة وأكثر تنظيماً إلا أنه بقي ميناءً محلياً حتى تولدت القناعة لدى المعنيين بفتحه ليكون أحد أكبر محطات مناولة الحاويات في العالم في نهاية القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين حقق هذا الصرح التجاري الكثير من الإنجازات على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي وأصبح علامة فارقة في خطوط الملاحة الدولية.
وكانت النية حسب المخططات أن يتم تأسيس ظهير اقتصادي قوي لهذا الميناء من خلال منطقة صلالة الحرة، والحوض الجاف، ومصفاة النفط، وبالرغم من وجود المنطقة الحرة إلا أن نشاطها ظل باهتاً ولم يُقدم المأمول لهذا الميناء العملاق الرابض على بحر العرب على الأقل حتى الفترة الحالية، فالمنطقة تعاني من عدم توفر الطاقة التي تعتبر العصب الأساسي لأي استثمار ولا زالت تلك المنطقة فارغة سوى من مبنى الإدارة الفخم والمُقيد بالكاميرات والبوابات الأمنية الإلكترونية التي توحي لكل داخل بأنه قادم لمكان يتنافى من الاسم (منطقة حُرة).
ظلت منطقة ريسوت بعيدا عن التنظيم فلا عجب أن تلتقي فيها كل الاستخدامات وتتداخل بشكل صاخب فهناك المصانع ذات التأثيرات البيئية المحتملة أمام الأحياء السكنية وغير بعيد يوجد مكب النفايات، ومنطقة معالجة مياه الصرف الصحي التي تفيض في الأودية وباتت تشكل نهراً يجري إلى البحر فتشرب منه المواشي وتتخذه الطيور محمية جديدة لها فمصانع الدواجن والجلود والسماد ولا غرابة أن وزارة الإسكان تصرف مخططات على ضفاف وادي عدونب الشهير الذي يستلم معظم سيول غرب ولاية صلالة ليدخلها إلى الميناء الجديد.
في عام 2002 غرق الميناء وتعطلت الكثير من السيارات والحاويات وتم إيقاف العمل لعدة أسابيع، وتوالت العملية مع كل ضيف جديد يحل علينا من المحيط فتم إنشاء الشارع وعملت الجسور، إلا أن الوادي لا يزال يجلب معه ملايين الأمتار المكعبة من المياه المحملة بأطنان أخرى من الطين والحصى ومخلفات أخرى إلى قلب الميناء الجديد ففي إعصار مكونو (مايو 2018) تراكمت المخلفات وقللت منسوب العمق المثالي ناهيك عن تعطيل العمل لمدة ليست بالقليلة وتكرر المشهد في إعصار لبان (أكتوبر 2018)؛ حيث اضطرت إدارة الميناء لوقف العمل قرابة أسبوع كامل.
إنَّ النجاحات التي حققتها وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه في مختلف مناطق السلطنة مطلوب استثمارها اليوم بوضع التصاميم لحماية ريسوت من الفيضانات والإسراع بالتنفيذ لحماية هذه المنطقة الحيوية التي باتت تتركز فيها الكثير من المصانع المصنفة بأنها ذات تأثير بيئي كبير في حالة تعرضها لظروف مناخية مماثلة ولا شك أنّ الميناء الذي طالما افتخرنا بإنتاجيته العالية وانضباط العمل به بات محل نظر إذا ما تكررت هذه الأحداث فالمصالح التجارية هي عبد لرأس المال ولا مكان فيها للحسابات العاطفية، ولذلك فإن قطاع موارد المياه الذي يعتبر اليوم أحد بيوت الخبرة المشهود لها في المنطقة قادر بإذن الله على الدفع بهذا المشروع ولا جدال في أنّ المصالح الوطنية العليا تستوجب تنفيذ هذا المشروع دون تأخير.