بيان المقهورين

 

غسان الشهابي

سيُكتب أنَّها سنة التَّخلي، تخلي الأنظمة العربية عن أداء الأدوار في "التمثيلية" الطويلة، لتكشف عمَّا تعبت في ستره حياءً لعقود... وفيما تُحاول الأنظمة التطبيعية كنس هذه الأخبار تحت السجاد حتى لا تظهر الأوساخ، يُصرّح إعلام العدو (وسيبقى عدوّاً) بأنَّه يحدث الاختراق تلو الاختراق في جسد الوطن العربي، فتتهاوى القلاع والسدود، وتتمزق الأشرعة، ويدخل البحر على هذه القوارب من كل جانب، ونحن في انتظار لذيذ لغرق القارب... لذة لا يُدانيها إلا عجز الخادر عن مقاومة الثعبان وهو يعتصره لينهي فيه كل مقاومة.

المسافات الفاصلة بين الأنظمة والشعوب كفيلة بألا تسمع الأولى الثانية، ولا تقيم لها وزناً، ولا تظهر لها احتراماً، فلا يهمّها رأيها، ومع ذلك، هناك قطاعات واسعة لا ترى إلا ما ترى أنظمتها، تُناصر كل تصريح رسمي، وتجد له مبرراته، تدافع عنه وتفلسفه، مع أنها ما شاركت في صنع القرار، خشية أن تقول يوماً "لا"، فيتداعى النظام، وينهار الأمان الرجراج، وتفتح باباً للأعداء، وهذا من مضادّات الولاء، لأنَّ الأهم الوقوف صفّاً واحداً، بصرف النظر عن موقع الصف من الحق والقلب والتاريخ والانتماء.

اليوم ونحن نرى هذا الارتماء المُذلّ في أحضان العدو، وهذا التسابق غير المُبرر للتصالح معه، ومنحه صكوك البراءة مما أجرم في حق البشرية قبل حقوقنا القومية والدينية، وليس بعيداً أن نعتذر له عن الإزعاج الذي سببناه له بصراخنا طيلة سبعين عاماً، وليس أبعد أن نتحمل كافة الجرائم الصهيونية، ليست دير ياسين أولها، ولا آخرها الأبرياء العُزّل الذي يسقطون في غزة وأصابعهم مرتفعة بإشارة النصر؛ نعلن: نحن أبناء الخديعة الكبرى، نحن دخان أوهامكم، وخَدَر مسكّناتكم، نحن الذين صدّقنا ألا صوت يعلو فوق صوت معارككم الصغيرة، وسكتنا عن العسف والبطش وإفقار الأوطان، حتى لا نشاغب على الاستعداد للمعركة الكبرى. ورضينا بأن تنصرف جلّ ميزانياتنا إلى التسلح، والترسانات في مخازنها بدلاً من الكثير من الأولويات الحيوية والتنموية، إكراماً لتلك المعركة... نعلن أننا براء من كل الدنس مهما تعددت أسماؤه، ومهما أسبغتم عليه من صفات... نُعلن أننا سنظل نعادي الكيان المحتل ولو بأضعف الإيمان، لأننا نكفر بالتخلي عن الأضعف الذي تخليتم عنه. وسنظل نرى أضلاعك وحدك سدّنا ومتراسنا وخارطة طريقنا التي لن يرسمها سواك.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك