مسؤول جارٍ البحث عنه

 

أمل السابعي

 

ذات صباح.. تداول الموظفون خبر قيام أحد المسؤولين بتنظيف دورات مياه مكتبه مع العلم أنّ هناك عاملا مكلفا للقيام بهذه المهمة، ولكن هذا المسؤول يعيد عملية التنظيف لملاحظته عدم إجادة العامل لعمله خاصة إذا علمنا أنه جديد في عمله، ويحتاج لمزيد من الوقت حتى يصل للمستوى المطلوب، وفي المقابل كان عدم إتقان العامل لعمله كما يجب أثار حفيظة مسؤول آخر حيث انهال بكم من التهديد على العامل أمام مرأى ومسمع باقي الموظفين بل وطفق يسأل بلسان المسؤول: كيف تتولى وظيفة لا تجيدها؟ اكتفى العامل بالصمت ولسان حاله يقول: أتخصني بالسؤال وتنسى نفسك أيّها المسؤول؟! إن كنت تراني قليل الخبرة في عملي فأنت كذلك تفتقر لأبجديات التعامل الإنساني.

من خلال هذه القصة.. ومثلها كثير يتضح أن الفروق الفردية بين المسؤولين واردة كما هي بين الموظفين، وليس بالضرورة أن تكون فروقا فردية على مستوى العمل والإنتاجية وإنما تتعداه إلى طريقة التعامل مع العنصر البشري بالمؤسسة، من هنا يبرز لنا نموذجان: النموذج الأول من خلال مسؤول يمتلك مهارة الحوار والنقد البناء مع الموظفين، فيصل بهذه المهارة إلى نقد الفعل لا الفاعل، ويضع الحلول لضعف الإنتاج دون المساس بشخص الموظف مستخدما رؤية واضحة وآلية تقود الموظف إلى الانتاجية بشكل أفضل، والنموذج الثاني مع المسؤول الآخر الذي يبث شحنات سلبية في موظفيه إثر تصيده لأخطاء قد تعود أسبابها إليه خاصة إذا لم يكن لديه منهج واضح وآلية للتنفيذ وبالتالي ينعكس على أداء موظفيه ودرجة إتقانهم للعمل الموكل إليهم.

اليوم.. لم يعد المسؤول بحاجة إلى تنظيف دورات المياه فقد أصبح العامل كفيلاً بأداء عمله على أكمل وجه،ولمّا كان الاعتقاد السائد أن عبارات التهديد التي تلقاها العامل أتت ثمارها، وهو اعتقاد جاء نتاج انتشار الصورة النمطية للمسؤول المتسلط بل وتسربها إلى تفكير الموظفين وتقبلهم لها معتقدين أنها أحد الشمائل الطبيعية له، لكن الحقيقة ظهرت جلياً حين صرح العامل أنه كان يدقق في طريقة تنظيف المسؤول بعد خروجه من مكتبه فيقف على نقاط ضعفه ويتجنب الوقوع فيها ثانيةً، أي أن العامل اختار التعلم والتدرب في دورة تطبيقية خفية من مسؤول متواضع بل نادر في تواضعه.

اليوم، ما برح العامل إتقان عمله مع جميع المسؤولين لكنه أضاف لإتقانه روح المبادرة مع المسؤول الذي بادر يوماً ما بأداء مهمته بصمت، ففي كل صباح تجد هذا العامل يشرف على أدق تفاصيل مكتب هذا المسؤول بدون أن يكلف بذلك، هكذا وكما قيل الجزاء من جنس العمل، ويحق لنا هنا القول إن الموظف في الحقيقة ما هو إلا صورة أخرى لمسؤوله، فما يفعله المسؤول اليوم يفعله الموظف غداً.

لم أرد القول هنا أنّ على المسؤول أن ينظف دورات المياه ليحدث فرقاً في مستوى العامل، وإنما أردت التأكيد على ضرورة امتلاك المسؤول مهارة التواصل الإنساني ومهارة تطوير أداء الموظف بعيداً عن التجريح والتقليل من شأنه كأن يوضح للعامل كيف يمكنه أن يؤدي عمله بأسلوب نظري مبسط يتناسب مع مستواه التعليمي والإدراكي، فهذه المهارات قد تحدث فرقاً ليس فقط على الموظف المعني بالأمر بل قد يمتد أثر هذه المهارات على باقي الموظفين، فبعد الضجة التي أحدثها خبر المسؤول الذي نظف دورات المياه الخاصة بمكتبه بادر بعض الموظفين بعملية التنظيف بدلاً عنه رغم ترفعهم عن ذلك سابقاً، وكأن مهمة العامل هي مهمة الجميع.

إذاً؛ بوجود هذا المسؤول لم يعد السلم الوظيفي يخلق طبقية في العمل بل أصبح سلماً تكميلياً لا غنى لدرجة فيه عن الأخرى، وبذلك لم تعد بيئة العمل صورة لمسؤول متسلط بل أصبحت بيئة العمل صورة لمسؤول جارٍ البحث عنه.

تعليق عبر الفيس بوك