عُمان تغزو قلوب العرب

 

سالم عبد الغفور

** صحفي مصري بالكويت

 

المتابع لمسيرة السلطنة وجلالة السلطان قابوس بن سعيد يدرك أنّ عمان وسلطانها قد سكنا قلوب العرب من المحيط إلى الخليج، بلا أموال تنفق لاستمالة حزب هنا وتيار هناك، ولا قنوات فضائية يصرف عليها المليارات لامتلاك القوة الناعمة التي تدعم مواقف المؤيدين وتهز كراسي الخصوم.

ولِمَ لا تسكن عمان قلوبنا وقد كانت دائماً الصوت العاقل بلا شعارات زائفة، والموقف المتزن وسط دول تحكمها القرارات المتسرعة، وتتحكم فيها مزاجية لا تليق بصناع قرار معلق في رقابهم مصائر الشعوب وآمالهم وتطلعاتهم.

أحبها.. نعم أحبها رغم أنني لم أزرها يوماً في حياتي، سكنت قلبي وعقلي منذ نعومة أظافري، أتابع مواقفها عن كثب في كل القضايا العربية، وما خيبت لي ظناً في يوم من الأيام، أستمع إلى أحاديث مسؤوليها وتصريحاتهم وكأنّهم شخص واحد يتحدث بنفس المواقف والهدوء والثبات، خلال مسيرتي الصحفية التقيت ببعض موطنيها من زملاء المهنة والمواطنين العاديين رجالاً ونساءً، ولمست فيهم الطيبة والأخلاق والتواضع والتسامح والعروبة والأصالة والحداثة والثقافة.

كمواطن مصري، محفور في ذاكرتي أنّ السلطنة كانت الدولة العربية الوحيدة تقريباً، التي لم تقاطع مصر بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979، في وقت تخلى عنا كل الأشقاء والجيران، الذين حملنا قضاياهم وخسرنا في سبيلهم عشرات الآلاف من الشهداء ومليارات الدولارات، والتي كانت كفيلة بالحفاظ على تفوقنا اقتصادياً واجتماعياً.

وكمواطن عربي، أذكر للسلطنة وسلطانها أنّهما الواقف دائماً على الحياد في الخلافات العربية، وأول الإطفائيين الذين يهرعون لإخماد الحرائق التى ما زالت تندلع بين الأشقاء، والداعم القوي للحقوق العربية.

أعترف أنّها ربما تكون الدولة العربية الوحيدة التي لا تبحث عن قيادة المنطقة، وربما القيادة العربية الوحيدة التي لا تسعى لنيل الزعامة، وإن كانت تستحقهما بجدارة. لم تدّعِ يوماً أنها قلب العروبة النابض أو دغدغت مشاعرنا بأنها مهد الدين الحنيف أو الممثل الحصري لهذا المذهب أو ذاك، لهذا أثق في كل مواقفها النابعة من العروبة، سواء تقاربت مع إيران أو استقبلت رئيس وزراء إسرائيل.

البعض أدعى أنّ السلطنة دولة متقوقعة على نفسها، متناسياً أنّ الإنجاز الذي حققته خلال النصف قرن الأخير، يمثل إعجازاً كان يتطلب البعد عن مهاترات أضاعت شعوباً، ودمرت دولاً أغنى وأكبر عشرات المرات، ومع هذا لم يفتقدها شقيق يمر بأزمة أو شعب يطالب بحق.

يكفي السلطنة شرفاً أنّها باتت نموذجاً للوسطية الدينية والتعايش السلمي في منطقة يحرقها التعصب الأعمى ودعوى الجاهلية الأولى، يحق لشعبها أن يفخر بأنه الشعب العربي الوحيد تقريباً الذي لم يخرج من ظهره داعشي ولا متطرف.

الجميع غرق في مستنقع القومية إلا عمان، الكثير جرفهم بريق الزعامة الزائفة إلا جلالة السلطان، معظمنا وقع في براثن التعصب الأعمى إلا شعب عمان، بعضنا هرول نحو الديمقراطية فضلُّوا الطريق إلا أبناء السلطان.. فأنعم بالراعي والرعيّة.

تعليق عبر الفيس بوك