مطبات على الطريق تقتل الإبداع والتميز

 

د. عبدالله بن سليمان المفرجي

 

لقد انتحرت مقدما عندما قلت لنفسك أنك لن تستطيع، من يقتلك ليس من يطلق عليك رصاصة ولكن من يقتل أحلامك ويقلل من قدراتك ويحط من مكانتك ويسفه أفكارك "إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) [سورة المطففين].

يلاحظ في المجتمعات وجود جفاف عاطفي بين أفراد المجتمع المسلم فلا شكر على فعل جميل ولا ثناء على سلوك حسن أو إنجاز رائع ولا تشجيع لمواصلة العطاء "... وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ "[سورة لقمان:12] "من لم يشكر الناس لا يشكر الله" [رواه الترمذي، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها]، ناهيك عن احتقار الآخرين وتسفيه أفكارهم ولسان الحال يقول لما يروا نجاحا وتميزا وإبداعا يفوق الخيال: "لو كان خيرا ما سبقونا إليه ". أخاف أن يكون هؤلاء كما قال الله تعالى: "وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نرى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ".

نحن تعلمنا منذ نعومة أظفارنا أن نشكر على العطاء والكلمة الطيبة ونشجع من حولنا بالثناء الحسن الجميل وللأسف تجد ثلة من الرجال الأفاضل الذين يتصفون بتلك الخلال السيئة لا شكر على معروف ولا تشجيع على إنجاز فضلا عن احتقار آراء الآخرين وتسفيه أقوالهم في مجال ليس من مجال تخصصهم  وقد بدأت تلوح في الأفق سقوط أصنام كانت تعبد من دون الله فلا خير في صاحب علم لا يقبل النصيحة ويطلق فتيل الإحباط واليأس للمبدعين ويقلل من قيمة الأفكار المبتكرة الرائدة ألم يسمع قول الله تعالى:" ولا تقف ما ليس لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" .

ليت شعري أين هؤلاء من الهدي النبوي والتوجيه القرآني "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ َهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"[آل عمران: 159]. ولا تخطئ عين القارئ كيف كان الخطاب الرباني لموسى عليه السلام عندما أمره ربه بتبليغ رسالة السماء إلى فرعون الطاغية "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى"[طه:44]. "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[الإسراء: من ال آية53]. ومن اللطائف مع هذه الآية {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} أن هناك قراءة أخرى سبعية لحمزة والكسائي: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَناً}، قال أهل العلم: (والقول الحسن يشمل: الحسن في هيئته؛ وفي معناه، ففي هيئته: أن يكون باللطف واللين، وعدم الغلظة والشدة، وفي معناه: بأن يكون خيراً؛ لأن كل قولٍ حسنٍ فهو خير؛ وكل قول خير فهو حسن)،

وقد أحسن أحمد الكيواني حيث قال:

من يغرس الإحسان يجنِ محبة *** دون المسيء المبعد المصروم

أقل العثار تفز، ولا تحسد ولا *** تحقد، فليس المرء بالمعصوم

من المؤسف أن يرى الإنسان كثرة الخرق والتجاوز لهذه القاعدة في واقع أمة القرآن، وذلك في أحوال كثيرة منها:

1 ـ أنك ترى من يدعون إلى النصرانية يحرصون على تطبيق هذه القاعدة من أجل كسب الناس إلى دينهم المنسوخ بالإسلام، أفليس أهلُ الإسلام أحق بتطبيق هذه القاعدة من أجل كسب الخلق إلى هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله لعباده.

2 ـ في التعامل مع الوالدين.

3 ـ في تعامل الزوج مع زوجه.

4 ـ مع الأولاد.

5 ـ مع العمالة والخدم.

مع العلم بأن الشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجارة دائما.

قل للذي بصروف الدهر عيرنا: هل عاند الدهر إلا من له خطر

أما ترى البحر تطفو فوقه جيف ... وتستقر بأقصى قعره الدرر

فإن تكن عبثت أيدي الزمان بنا ... ونالنا من تمادي بؤسه ضرر

ففي السماء نجوم ما لها عدد ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر ومنها قول ابن الرومي :

دهر علا قدر الوضيع به ... وغدا الشريف يحطه شرفه

كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلاً وتطفو فوقه جيفه. وقد كرره ابن الرومي في مواضع منها قوله:

قالت علا الناس إلا أنت قلت لها: ... كذاك يسفل في الميزان ما رجعا. وقال المتنبي: ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتام. وقول ابن زيدون: "حضرة غاب صرف الدهر خشيته “.

أيها العظماء تواضعوا لله وارحموا الجهلة والسفهة والمرضى والضعفاء...الخ لعلكم تجدون فيهم خيرا أو علما أو حكمة تنفعكم. «لا خير فيكم إن لم تقولوها...! ولا خير فينا إن لم نسمعها.."

قال الحُسين بن مطير:

أُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلاَقِ جَهْدِي

وَأَكْرَهُ أَنْ أَعِيبَ وَأَنْ أُعَابَا

وَأَصْفَحَ عَنْ سِبَابِ النَّاسِ حِلْمًا

وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ يَهْوَى السِّبَابَا

وَمَنْ هَابَ الرِّجَالَ تَهَيَّبُوهُ

وَمَنْ حَقَرَ الرِّجَالَ فَلَنْ يهابا      

  فلقد علمتنا الحياة بأن "السيرة الحسنة كشجرة الزيتون، لا تنمو سريعاً لكنها تعيش طويلاً. "وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ"[الشعراء:84]

وما أجمل قول المتنبي:

وكل امرئ يولي الجميل محبب *** وكل مكان ينبت العز طيب

لا أريد أن تكون الكتابة المفصلة لإصلاح الوضع مني لأنها سوف تكون ضربة موجعة وتحمل الأسى وتكشف كوامن الأشجان ولواعج الأحزان ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة؛ فصاحب الحاجة يفوق تعبيره واهتمامه أي شخص قد يأتي (مستأجرا) أو بديلا عنه، فالحل لهذه العقبة الكأداء التي يجب أن تقتحمها كتابات المصلحين وأرباب الفصاحة والبلاغة والبيان.

 تلك شجون بلغة ضعيفة وتراكيب منكسرة نبثها لأصحاب العقول الراجحة أرباب الحجي والمنقذين من غياهب الجهل وظلم الحياة الحالكة.

 والمحصلة النهائية التي يمكن أن نخرج بها بعد استقراء هذا الواقع المؤلم ما يأتي:

- التعزيز الإيجابي لمختلف شرائح المجتمع مطلوب وضروري...فكم تسبب الناس في طمس الإبداع والتميز وقتل فتيل المحاولة والخطأ والتميز، لأناس يحسبونهم ضعفاء ولكن الواقع العملي أثبت مدى جدارتهم وتفوقهم.

-  تقديم وإعطاء واستقبال التغذية الراجعة من كل أطياف المجتمع المدني.

 - ألا تطفئ الشموع المضيئة بل حافظ على ضوئها المتلألئ

-إذا تشابهت أفكار الناس فلا أحد يفكر.

 -كل إنسان عبقري ومبدع وكل ميسر لما خلق له.

- القدرة على التخيل والتفكير أهم من المعرفة.

- لا يتعلم الإنسان بدون تجارب ومحاولات وأخطاء، كما لا يلمع الألماس بلا احتكاك.

تعليق عبر الفيس بوك