محمد بن رضا اللواتي
قبل أيام، وتحديدًا في الثلاثين من سبتمبر الفائت، حيث ذكرى سقوط الطفل الفلسطيني محمد الدرة صريعًا، تناقلت مجموعة كبيرة من تغريدات العمانيين صورته التي التقطتها عدسة الفرنسي شارل إندرلان عشية انتفاضات الأقصى عام 2000م، وبثتها قناة فرنسا 2، وهو في لحظاته الأخيرة ما قبل مصرعه، لتكون مؤشرًا على بقاء جراحات الشعب السليب في عمق ذاكرة وضمير السلطنة، ما محته تراكض الأيام، وهرولة الشهور، وجري السنين.
وهذا التناقل لتلك الذكرى المؤلمة يتسق تماما أولا مع مواقف الشعب العماني، الذي شجب حصار "غزة"، واستنكر إغلاق معبر "رفح"، وتكاتفه لجمع 3 ملايين دولار خلال ستة أشهر، في إطار "المبادرة الأهلية العمانية لمناصرة فلسطين"، لينفقها في إغاثة المدارس وكفالة الأيتام وبناء المنازل وترميم المتضررة منها، وغير ذلك من وجوه الدعم وكشف كربات إخوانهم الفلسطينيين.
لقد عد البعض، عندما تداول ناشطون بمواقع التواصل الاجتماعي، غداة مسيرات "العودة الكبرى"، صوراً أظهرت سيدة فلسطينية تحمل علم سلطنة عمان، في محيط خيم الاعتصام بغزة، عده البعض حينها "لُغزا" بحسب تعبير "المهرة بوست"، ذلك لما أرفقته تلك الظاهرة من تساؤلات كثيرة بين النشطاء عن أسباب ظهور العلم العُماني، تحديدا، يرفرف على كتف تلك السيدة. تقول الصحيفة المشار إليها في موقعها الإلكتروني الصادر بتاريخ 8 أبريل من هذا العام، أنّ هذا اللغز قد حله "مقطعٌ نشر على "انستجرام" وتم تداوله على نطاق واسع تحت عنوان "الشعب الفلسطيني يشكر سلطنة عمان على ما تبذله من جهود عظيمة تجاه الشعب الفلسطيني المحاصر". وخلال المقطع الصوتي تقدم شخص قال إنّه يتبع جمعية (الفلاح) الخيرية، بالشكر نيابة عن الجمعية والشعب الفلسطيني للسلطنة لدعمها غزة حسب وصفه الذي أكده قائلا:"دعمكم وصل شكرا سلطنة عمان."
ويتسق، ثانيا، مع مواقف الحكومة العمانية التي تناصر القضية الفلسطينية وضرورة تحرير أراضيها وإقامة دولتها على حدود 67 وعاصمتها القدس الشريف.
وفي الواقع، فإنّ دبلوماسية السلطنة في هذا الاتجاه باتت من الواضحات رغم أنّها تعمل بعيدا عن ضوضاء الشعارات وضجيج المرئيات ورنين المسموعات، ولعل الذي جعلها تبرز كل هذا البروز، أنّ إيمانها بضرورة تحقيق سلام شامل بالنحو الذي يكون للمظلوم في ظله نصرًا وللمقدسات صونا، رافقه دور ميداني، لدرجة أن محافظ "أريحا" و "الأغوار"، وفي أعقاب زيارة الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية للسلطنة فلسطين في فبراير من هذا العام، صرح يقول بأنّ السلطنة "رائدة" في العالم العربي بالدعم والإسناد، ومن الدول "القلائل" التي لا تزال تؤيد الرؤية السياسية الفلسطينية لملفها، ليس بالشعارات فحسب، وإنّما بالعمل الميداني.
ولا غريب في ذلك لمن يعرف السلطنة، فلقد نأت بنفسها بعيدة عن أعاصير الفتن، وعن الدخول في نفق الحروب بالوكالات، وحافظت على بقائها في موقع تقديم الحلول للأزمات السياسية والنزاعات العسكرية، فهي على مسافة واحدة من شتى الجهات المتصارعة وفي مختلف الميادين، إلا أنّ هذا الوقوف في الوسط ليس بسلبي، وإنّما شديد الإيجابية، حتى أنّ وكالة "فرانس برس" قد نشرت مقالا، في سبتمبر من هذا العام، تحدثت فيه عن دور السلطنة بحيادتها ودبلوماسيتها والتي سمتها "برس" "بالخفية"، من أجل إنهاء القتال في "اليمن" بحُكم أنّها لا تمتلك "أطماعا" اقتصادية أو ترابية فيها.
سوف تظل "القدس" في ضمير السلطنة جرحا غائرًا، كما وسيبقى الصدع العربي مجالا يعمل العقل العماني لرأبه مهما أمكنه ذلك، وفي كل موقع من خارطة العالم الإسلامي، في زمن ندر جدًا من لا يزال يحتفظ بهذا الوصف الوظيفي لنفسه.