المرأة العمانية في يومها السنوي

 

د. راشد بن حمد البلوشي

عميد كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس 

رئيس هيئة حقوق الإنسان بمنظمة التعاون الإسلامي

تحتفل السلطنة في السابع عشر من أكتوبر من كل عام بيوم المرأة العمانية، وذلك تكريمًا من باني نهضة عمان مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم يحفظه الله ويرعاه، واعترافا بدور المرأة على ما تبذله من جهد في دفع عجلة تقدم هذا الوطن المعطاء والمساهمة الفاعلة في التطوير على مختلف الأصعدة، ولعل جهود السلطنة من أجل تمكين المرأة ومناهضة جميع أشكال التمييز ضدها مُنطلقة في ذلك من الرؤية الحكيمة لقائد البلاد المفدى ومن النظام الأساسي للدولة، حيث ساهمت التشريعات العمانية بمختلف أنواعها  في إعطاء المرأة جل حقوقها الأمر الذي انعكس إيجابياً على دورها في التنمية وخدمة الوطن في مختلف المجالات. هذا ولقد اتخذت السلطنة العديد من التدابير لكفالة حقوق المرأة في الكثير من المجالات، يأتي على رأسها الجانب التشريعي، حيث حفظت السلطنة للمرأة حقوقها في النظام الأساسي للدولة، كما سارعت إلى الانضمام إلى العديد من المواثيق الدولية وإصدار القوانين واللوائح الداخلية التي تضمن حقوق المرأة وتأخذ بيدها نحو التمكين في مختلف المجالات.

هذا وتسعى سلطنة عمُان مثلها مثل باقي دول العالم إلى وضع مبادئ حقوق الإنسان موضع التطبيق الفعلي، ولعل أهم الموضوعات لهذا التطبيق، موضوع حقوق المرأة بجميع أنواعها، وهو ما أكدت عليه السلطنة على الدوام وذلك من خلال التقارير التي تقدمها أمام الجهات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان والتي كان آخرها تقرير السلطنة الثاني والثالث المقدم إلى لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ، جنيف، 2017، كما تسعى السلطنة على الدوام إلى ضمان مواءمة القوانين الداخلية لأحكام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومراعاة الحقوق والالتزامات الواردة في الاتفاقيات الدولية، ومن بينها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .

الجدير بالذكر أن سلطنة عمُان انضمت إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بموجب المرسوم السلطاني رقم 42/2005 وتم إيداع وثيقة التصديق في 7/فبراير/2006، وكان لهذا الانضمام الفضل في التأكيد على مجموعة من الأمور القانونية في السلطنة، يأتي في طليعتها أنَّ حقوق المرأة هي جزء من منظومة حقوق الإنسان التي تتبناها السلطنة، كما قامت السلطنة باتخاذ التدابير الرامية إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين.

هذا ولقد اهتمت الاتفاقية بتوضيح المبادئ والإجراءات والآليات الكفيلة بضمان الحقوق الإنسانية للمرأة، كما دعت الاتفاقية إلى اتخاذ تدابير مؤقتة من أجل التعجيل بتحقيق المساواة مع الأخذ بمبدأ التمييز الإيجابي، ناهيك عن تقديم الاتفاقية تعريفاً واضحاً للتمييز ضد المرأة.

الجدير بالذكر أن سلطنة عمان، بعد أن قامت بالمصادقة على الاتفاقية، أصبحت هذه الاتفاقية جزءاً من النظام القانوني الداخلي للسلطنة وذلك عملاً بالمادة 2 من الاتفاقية والمادة 79 من النظام الأساسي للدولة التي تجعل للاتفاقيات والمعاهدات الدولية قوة القانون فور التصديق، ولقد قسمت الاتفاقية إلى ديباجية و30 مادة، موزعة على ستة أجزاء، تمثل الجزء الأول في المواد من 1 إلى 6 وناقش هذا الجزء موضوع تعريف التمييز ضد المرأة، والتزامات الدول المتعلقة بشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتخاذ كافة التدابير الضرورية لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين بما في ذلك مكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلالها في تجارة البغاء.

أما الجزء الثاني المواد من 7 إلى 9 فقد تناول اتخاذ الدول الأطراف لجميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة، بالإضافة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في مختلف الحقوق، أما الجزء الثالث المواد من 10 إلى 14 فقد تناول اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة لكي تكفل لها حقوقا مساوية لحقوق الرجل في ميدان التربية وميدان العمل وفي ميدان الصحة وجميع الجوانب الاقتصادية.

الجزء الرابع المواد من 15 إلى 16 تناول المساواة بين المرأة والرجل أمام القانون بالإضافة إلى الحقوق المتصلة بالزواج والحقوق الأسرية.

أما الجزء الخامس والجزء السادس المواد من 17 إلى 30 فقد تناولا المسائل الإجرائية المتعلقة بلجنة الأمم المتحدة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة، وذلك في الأمور المتعلقة بانتخاب الأعضاء وفترة العضوية واعتماد النظام الداخلي للجنة والأحكام المتعلقة بالاجتماعات الخاصة بلجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، بالإضافة إلى تعهد الدول بالوفاء بالتزاماتها القانونية التي من بينها مواءمة تشريعاتها الوطنية مع نصوص الاتفاقية. الجدير بالذكر أنه من حق الدول الأطراف المتعاقدة في اتفاقيات حقوق الإنسان أن تراقب الدول الأطراف الأخرى وتتأكد من أعمال نصوص الاتفاقية من خلال إنشاء آليات من مهمتها التأكد من ذلك مثل إنشاء محكمة أو لجنة.

وأهم الالتزامات الواردة في المادة 9 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة جاء نصها كالتالي:

 1- تمنح الدول الأطراف المرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها. وتضمن بوجه خاص ألا يترتب على الزواج من أجنبي، أو على تغيير الزوج لجنسيته أثناء الزواج، أن تتغير تلقائيا جنسية الزوجة، أو أن تصبح بلا جنسية، أو أن تفرض عليها جنسية الزوج.

2-  تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما.

لذلك يُلاحظ على هذا الجزء من الاتفاقية أن الفقرة الأولى من هذه المادة قد تمت مراعاتها وضمان تطبيقها في القوانين الداخلية خصوصاً قانون الجنسية، إلا أن الفقرة الثانية من هذه المادة لا تزال السلطنة مُترددة في منح أطفال العُمانية المتزوجة من أجنبي الحق في اكتساب جنسية أمهم العمُانية كون قانون الجنسية العماني لا يسمح بازدواج الجنسية أما إذا لم تكن للأب جنسية فإنَّ القانون يمنح ابن العمانية الجنسية، كما تجد السلطات العمُانية مبرراتها في الامتناع عن منح الجنسية العمُانية لأبناء المرأة العمانية المتزوجة من أجنبي بشكل تلقائي في قواعد قانون الأحوال الشخصية رقم 32/ 1997 وذلك تحقيقًا لأحكام الولاية الواردة في الباب الثاني من القانون المادة 158 وما بعدها.

و لكننا نعتقد بأنَّ هذه المبررات تحتاج إلى اتخاذ إجراءات أخرى تخفف من وطأة الآثار المترتبة على فصل الأسرة بعضها عن بعض خصوصا إذا ما علمنا أن المادة 12 من النظام الأساسي للدولة قررت أن الأسرة أساس المجتمع، وينظم القانون وسائل حمايتها، والحفاظ على كيانها الشرعي، وتـقـوية أواصرها وقيمها، ورعاية أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتـنمية ملكاتهم وقدراتهم،  ناهيك عن أن قانون الطفل قد أكد على هذا الحق في المادة  2 / ج حيث أكدت هذه المادة على ضرورة أن تقوم الدولة بمراعاة المصلحة الفضلى للطفل عند اتخاذ القرارات والإجراءات المتعلقة به.

هذا ورغم أنَّ السلطنة قد قامت في الآونة الأخيرة بإعطاء أبناء العمُانية المتزوجة من أجنبي مجموعة من الحقوق إلا أنه تحقيقاً لمصلحة الطفل الفضلى أصبح على الدولة أن تجري تعديلاً يقضي بالسماح بإعطاء أبناء المرأة العمانية المتزوجة من أجنبي الجنسية العمانية إذا كان ذلك يمثل المصلحة الفضلى لهم، أو على أقل تقدير وكنقطة انتقالية مرحلية ملحة، نرى إعطاء أبناء الأم العمانية وزوجها الإقامة الدائمة في سلطنة عُمان، وذلك تطبيقاً للاعتبارات الإنسانية التي أشارت إليها المادة 4/ 7 من قانون إقامة الأجانب رقم 16/ 95 والتي قررت أنه يستثنى من كل أو بعض أحكام قانون إقامة الأجانب أو بعضها من يقرر المفتش العام إعفاءه من كل أحكام هذا القانون لاعتبارات إنسانية، أي كفالة الأم العُمانية لأبنائها وزوجها الأجنبي.

وفي الختام نتوجه إلى كل نساء عُمان بأجمل عبارات التهنئة بمناسبة يوم المرأة العمانية، فكل عام والمرأة العمانية بخير، كل عام ونحن جميعاً نحتفل بمزيد من التكامل بين المرأة والرجل في مجال المواطنة الكاملة واحترام الكرامة في ظل العهد الزاهر لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم يحفظه الله ويرعاه.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك