عواصف العمالة الأجنبية

 

غسان الشهابي

حادث وقع في الأسبوع الماضي في البحرين يضيء – بشكل أو بآخر –الجانب الإنساني الغائب والمُغيّب في مسألة العمالة الأجنبية الوافدة إلى المنطقة برمتها. فلقد أدى انهيار منزل قديم في العاصمة، إلى وفاة أربعة من ساكنيه الذين يُقاربون المئتين، وغالبيتهم من العمالة غير المرخصة، وفي الحال، التقطت وسائل الإعلام العالمية الموضوع، ونشرته كبريات الصحف العالمية، لأنَّ الوضع إنساني بحت، لا يخلو من دوافع مختلفة أيضاً.

فموضوع العمالة الزائدة عن الحد في كل دول الخليج العربية جاء نتيجة الطفرات النفطية التي مرّت علينا، ويعدّ من الأمور غير الخافية على أيّ متابع أو دارس للأوضاع هنا، وقد استتبع كل طفرة انخفاض ووهاد كبيرة وانكماش عظيم في اقتصادات المنطقة. ولكن لم يُصاحبها إعادة العمالة الزائدة إلى حيث أتت ريثما تتعدل الأوضاع، بل تركت في الكثير من بلاد المنطقة تسرح تلتقط رزقها، وتبحث عن أي مصدر تعش عليه، فنشأت ظواهر مقلقة من جيوش العمالة غير القانونية وغير المنضبطة، ناهيكم عن ما عرف بـ "الفري فيزا" التي يقوم فيها أناس بجلب عمالة أجنبية (آسيوية في الأساس) وإفلاتهم في الشوارع مُقابل "إتاوة" يدفعها هذا العامل الحر لمن أتى به، بصرف النظر عمَّا يعمل، وكيف يسترزق، وكيف يُدبر حياته... كيف يسدد قرضه الذي أتى به إلى هنا، وما الذي يرسله إلى أهله الذين يعلقون آمالاً عليه، وكيف يقضي سحابة يومه في هذه البيئة الغريبة عنه... كلها أسئلة ظلت تطرح على مدى العقود الثلاثة الماضية، عندما بدأت ظاهرة العمالة الأجنبية تثقل على الكثير من الخدمات، وتضغط على الشوارع والمباني والخدمات الصحية، والكثير، في الوقت الذي تزداد فيه الحاجات المادية للمزيد من بناء المدن وتسيير الأعمال... أي الحاجة إلى المزيد والمزيد من العمالة الأجنبية فوق تلك التي تراكمت من قبل، خصوصاً مع انتعاش الاقتصاد مُجدداً. فإلى جانب الملف الاقتصادي، وهو واحد من الملفات العابسة، لاسيما مع تزايد التحويلات الخارجية للعمالة الأجنبية بصفة عامة؛ يقف الملفان الاجتماعي والأمني أمام الكثير من التحديات التي تجلبها هذه العمالة غير المنضبطة والزائدة، وأقل ما فيها قيام عدد من أفرادها بالانتحار، وهو فعل ذاتي يدل على اليأس وانسداد الأفق أمام العامل من وضعه الذي لا أمل فيه، فكيف به إذا ما لجأ إلى أيِّ من الأفعال المخالفة للقانون، أخذاً بالأوضاع المأسوية التي يعيشها معظم من هم في هذه الطبقة، إذ يتكدسون في مناطق معينة، تجاور أحياناً مناطق سكنية، في أوضاع يأبى أن يعيشها أي فرد منِّا، ولكن هناك استسهال في أن يعيشها غيرنا، تحت حجة أنهم "متعودون"، وهم في الحقيقة مُجبرون فقط.

أما الملف الحقوقي، فهو أكثر ما يزعج الدول الخليجية أن يقال إن دولهم لا تحترم حقوق الإنسان، وإنها مقصّرة في جوانب مُعينة، أو أنها تدرج ضمن الدول التي تغض الطرف عن الاتجار بالأشخاص، وهذا ما تسعى بعض الدول إلى لملمته خارجياً، ولكنها عاجزة عن مُعالجة أصل المسألة لأنها تتعلق بانتفاعات أناس ذوي مصالح من وجودهم، مع النظر إليهم بصفتهم موارد مالية، وليسوا بشراً.

من المرجح أن تطل القضايا العمالية برأسها مرة بعد مرة، وفي كل مرة تنحني الرؤوس للعاصفة كي تمرّ، ولكنها لن تمرّ بسلام كل مرة.

تعليق عبر الفيس بوك