كن أنت..

 

حميد السالمي

كان مكتئبا حزينا حينما قال لي إنّه اختار الوظيفة غير الملائمة له، وأنّ بيئة العمل لا تتناسب مع ميوله وتوجهه، وهو الآن بصدد التخلي عن وظيفته التي باتت تشكل له ضغطا نفسيا واكتئابا شديدا، وفي الطرف الآخر يخبرني صاحبي أنّه ندم على زواجه ورضوخه لرغبة أهله في الزواج من البنت التي هم اختاروها له، ويؤكد أحدهم أنه اضطر لترك دراسته ودخول العمل التجاري نظرا لاختيار أهله تخصصا لا يريده.

بين ما أريده أنا وما يريده الآخرون تبدو أهدافنا وطموحاتنا معلقة في هذه الحياة، مقرونةً بالسمعة والقيل والقال، بالوجاهة وقوة الاسم، هل تُرضي المجتمع أم تُسخطه؟ هل هي مصدر فخر عند الناس عُرفا؟ أم هي بمثابة عمل لا ترتبط به سوى الفئة الكادحة التي اعتاد المجتمع أن يراها للعمالة الوافدة فحسب؟ رغم أن الحرفة أو العمل والتخصص أيًا كان نوعه وطبيعته طالما يساهم في رقي الفرد والمجتمع والوطن فلا ريب أنه توجه سليم وخطوة فاعلة في سلم النجاح.

"ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم" وهم صفوة الخلق وخيرتهم، وامتهن بعضهم النجارة والحدادة فكانوا بسطاء في حياتهم الخاصة عظماء في قيادتهم لأممهم وريادتهم في تحقيق رسالة دين الله وتعمير الأرض وبسط مفهوم الحياة ومعناها الذي يريده الله، فما التفتوا سوى لأهدافهم وغاياتهم غير مكترثين للقيل والقال ونظرة الناس الدونية التي هي في حقيقتها تنم عن جهل وتخلف فكري كبير كان وما زال سببا رئيسا في مستوى الوعي الاجتماعي المتدني الذي تعاني منه مجتمعاتنا حتى أصبحنا نقبع في مؤخرة الركب ضمن العالم الثالث.

كان "توماس أديسون" بائعا للخضار والحلوى والصحف قبل أن يُصبح ضمن أعظم العلماء والمخترعين في تاريخ البشرية، كما امتهن "كولونيل ساندرز" الطبخ والزراعة قبل أن يؤسس شركة "كنتاكي" التي وصلت فروعها لأكثر من ١١ ألف فرع حول العالم، ومن بائع خردة وصل الحال بصالح الراجحي أن أصبح مليارديرا تقدر ثروته بـ٩٠ مليار ريال سعودي، وعاش "رجب طيب أردوغان" حياة الفقراء وظل في صباه يبيع البطيخ ليصل به الحال رئيسا لتركيا وزعيما للنهضة التركية الحديثة.

كن أنت حتى تصبح ما تريد، واجعل هدفك نصب عينيك ولا تلتفت للقيل والقال، فرضا الناس غاية لا يمكن إدراكها وسخطهم لا يمكن تفاديه مهما كان حالك، ابحث وتقصَّ واعمل وكافح بكل ما تقتنع به من توجهات وأفكار وأعمال من شأنها أن تدفعك قُدما للأمام، فمن يمدحك اليوم سيذمك غدا ومن يذمك اليوم سيمدحك غدا، وثق تماما أن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملا.

إلى من يهمه الأمر: يقول الدكتور طارق سويدان: "هناك من هو مشغول ببناء الحضارة، وهناك من يدعمه، وهناك من يتفرج عليه، وهناك من يدعو له، وهناك من ينتقده أو يهاجمه، وهناك من يردد كلامهم، أي نوع أنت؟"

 

تعليق عبر الفيس بوك