رغم المواهب المتألقة.. منتخبات المراحل السنية تدفع ثمن غياب الاستراتيجيات

 

الرؤية – وليد الخفيف

بفوز وحيد وتعادل وخسارتين أنهى منتخب الناشئين رحلته في ماليزيا دون أن يبلغ مراده ، فمساعيه الرامية لبلوغ مونديال بيرو 2019 تبددت بالخسارة أمام اليابان بهدفين لهدف في الدور ربع النهائي .

وكان المنتخب الذي يقوده يعقوب الصباحي قد استهل مشواره بالفوز على اليمن بهدفين نظيفين قبل أن يتعادل مع الاردن بهدفين للمثل ، ويختتم دور المجموعات بالخسارة من كوريا الشمالية 3-1.

وجاء تأهل منتخبنا لربع النهائي بفضل فوز اليمن على الأردن ، فالخسارة من كوريا كادت أن تبدد الآمال، وكانت نقطة التعادل كافية للاردن لضرب موعدا مع الدور التالي .

وخضع منتخب الناشئين لفترة إعداد وصفها الجهاز الفني واتحاد كرة القدم والمراقبون بالجيدة ، حيث تضمنت إقامة معسكرات داخلية وخارجيه ، تخللتها مباريات ودية متنوعة المستوى بحسب رؤية الجهاز الفني لذا فإرجاع الخسارة إلى ضعف فترة الاعداد أمر لن يلقى القبول كسابقه.

ولم يجْنِ منتخب الناشئين ثمرة الإستقرار الفني الذي يحظى به  خلال خمس سنوات قضاها الصباحي وجهازه المعاون على رأس القيادة الفنية للمنتخب ، فمساعي التواجد في المونديال تبخرت، وحلم تكرار انجاز 2000 تبخر على يد اليابان ، وربما كان الوضع اكثر سوءا اذا لم نستقبل هدية اليمن السعيد اما على مستوى الاداء فلم يغادر خانة الاجتهادات الفردية التي لا ترق لحد التكتيك والهوية .

وتزخر السلطنة بالمواهب الكروية الواعدة في كل محافظاتها ، وهذا ما دلل عليه أداء الحارس المتألق ميثم العجمي ، والسلطي والنعابي والمعشري وغيرهم من الاسماء الواعدة القادرة على تحقيق ما تطمح اليه الكرة العمانية شريطة الاهتمام والتخطيط الكروي السليم الذي تفتقده .

المواهب العمانية والجهود الفردية نجحت في وضع منتخبنا الوطني في النهائيات ، ولكنها لم تتمكن من تخطي المنتخبات ذات المنهجية التدريبية الموحدة والتخطيط السليم مثل اليابان وكوريا واستراليا فضلا عن منتخبات بدأت في صنع تاريخ جديد لها مثل طاجيكستان التي لم تكن على الخارطة قبل سنوات ، تزامنا مع تطور لافت لبعض المنتخبات الجديدة مثل كوريا الشمالية الامر الذي يؤكد ان الامكانات المادية ليست عائقا امام خطى التطوير ولكن الفكر التقليدي هو العائق الاول للحاق بركب التطور.

وليس من الانصاف أن يتحمل الجهاز الفني المسؤولية كاملة ، فالمسؤولية يتحملها الجميع ، وينال الصباحي ورجاله منها سبب التراجع الفني ،  بيد أن الجانب الاكبر يقع على عاتق اتحاد كرة القدم الذي يدير ملف منتخبات المراحل السنية بشكل تقليدي  عقيم على أمل أن تخدمه الصدفة وأن يتدخل الحظ لتجاوز منتخبات تعمل منذ سنوات بفكر وتخطيط رياضي علمي مستنير .

ولم يكن مشهد الحزن في ماليزيا جديدا  ، فالمشهد بكل تفاصيله تكرر في نهائيات آسيا بالهند ، غير أن الاتحاد ولجانه الفنية العاملة لم تتخذ الاجراءات والتدابير الفنية التي تحول دون تكراره ، فمن الهند إلى ماليزيا والعمل التقليدي على نفس الوتيرة ، في المقابل كانت هناك منتخبات تبحث عن سبل التطور الحقيقي عبر برامج طموحه عكست نجاحا ملحوظا لاصحابها في فترة لم تتجاوز السنوات الاربعة .

وانتهت حقبة تطوير المنتخبات الوطنية عبر المعسكرات والمباريات الودية كسبيل وحيد  بيد ان اتحاد كرة القدم مازال متمسكا به بغرابة ، فهذا المسلك بات تقليدا عتيقا ، مقابل سبل اخرى ترمي للتطوير المستدام من خلال عدة محاور منها ، تطبيق مشروع احتراف المواهب ، وتطبيق المنهجية التدريبية الموحدة ، وتحليل البطولات السابقة وعمل وحدة بيانات بالاسباب التي ادت للنجاح او الخسارة عبر بيوت خبرة ومن ثم الاعتماد على تلك الاحصائيات والبيانات في وضع الخطة والبرامج الزمنية التدريبية الجديدة.

وكان من الضروري أن يحلل اتحاد الكرة  - عبر لجانه او الإستعانة بشركة - اسباب الخروج من نهائيات آسيا بالهند قبل وضع برنامج الاعداد لماليزيا ، غير ان ذلك لم يحدث وتواصل العمل بشكل تقليدي لا يمكن أن يفضي الى نتيجة سوى بتدخل الصدفة ، فتحديد نقاط القصور الفنية والبدينة والتكتيكية للاعبي المنتخبات امر حاسم  في وضع برنامج صحيح والاحصائيات وتحليل البيانات سيحدد بدقة ما يحتاجه أبناء تلك المرحلة فاذا كانت نقطة الخلل متواجدة في اغلبية اللاعبين فمن السهل علاجها او اتباع سبل تدريب موازية كالتدريب الفردي لعلاج نقاط الضعف الفردية .

فتحليل اداء اللاعبين في المسابقات السابقة يبدو لدى الدول المتقدمة كرويا القاعدة التي ينطلق منها معدو البرامج ، كما ان توحيد المنهجية وتقويمها عبر المدير الفني للاتحاد أمر حاسم في كسب الهوية ، فهوية وشكل وطعم ولون المنتخب الياباني للناشئين على سبيل المثال هي نفس هوية منتخب الشباب والاولمبي والاول دون النظر للمدرب ، فتغيير المدرب لن يؤثر على الهوية الباقية نظرا لغرسها من سن البراعم .

وتحتاج الكرة العمانية الى جانب من الحظ لتحقيق ما تصبو اليه منتخبات تلك الفئة ، فمن الصعوبة بمكان ان تثمر المسابقة المحلية التي قوامها 10 إلى 12 مباراة للاعب جاهز تدريبيا ومنذ سنوات والحديث دائر حول ضرورة تطوير مسابقات تلك الفئة  ، ومن الصعوبة ايضا ان يتجاوز العمر التدريبي القصير للاعبينا منافس يتفوق بضعف المدّة والخبرة ، فالأندية بأجهزتها الفنية تنتج لاعبين بهويات كروية مختلفة ، لذا فالعشوائية في الاداء كانت عنوانا لبعض المباريات التي خسرها المنتخب الذي لم يقدم أي جمله فنية واضحة واكتفى بالاعتماد على مجموعة المهارات الرائعة التي تزخر بها صفوفه لتحقيق هدفه ، بيد ان المهارة وحدها لا تكفى لتجاوز منتخبات منظمة بفكر تكتيكي مطبق منذ سنوات .

ومع تولي المجلس الحالي مقاليد ادارة الكرة العمانية كان بوسعه التغيير تماشيا مع الشعار الذي اطلقه ، وأن يعالج قصور انتاج الأندية بتأسيس مراكز للموهوبين التي تنبثق منها مراكز المتفوقين رياضيا في كل محافظات السلطنة لضمان الاستمرارية وتطبيق المنهجية التدريبية الموحدة من قبل كل المدربين المتواجدين تحت اشراف مستمر من قبل المدير الفني ، لتكون تلك المراكز نواة للمنتخبات الوطنية .

ويعد تأسيس مراكز الموهوبين والمتفوقين رياضيا ضمانة للاستمرارية طوال العام ، حيث المبدأ الاصيل لعلم التدريب الرياضي ، وبالتالي ارتفاع عدد ساعات التدريب ، تزامنا مع منح الفرصة امام المدربين للعمل دون ضغوط وعلى مدى زمني طويل لانهم غير مطالبين بتحقيق نتائج كما هو معمول به في الاندية ، فالهدف بناء وتكوين بعيد المدى .

ومازال ملف احتراف اللاعبين في سن صغير مغلق لم ير النور وان كل ما يثار حوله لا يغادر خانة اللغو ، فمع تألق عدد من اللاعبين في نهائيات آسيا بالهند لم نستفد بتسويق أحدهم ، بيد أن دول أخرى باتت اعينها شاخصة على تلك المواهب لتجنيسهم واقناعهم بالدفاع عن الوان بلادهم .

وربما كان اللغط دائرا أيضا حول باقي منتخبات المراحل السنية ، فمنتخب الشباب بلا مدرب منذ انتهاء عقد الوطني رشيد جابر ، ورغم التراجع على مستوى الاداء والنتائج غير أن التغيير لم يطرأ على المنتخب الاولمبي الذي يعاني العشوائية في التخطيط وضبابية الهدف لقرابة السبع سنوات ، فلا يلوح في الافق معايير واضحة لتقييم عمل تلك المنتخبات واجهزتها الفنية ومازال العمل تقليدي بامتياز .

 

 

     

تعليق عبر الفيس بوك