خفايش الظلام .. ووسائل "التفاصل" الاجتماعي

مسعود الحمداني

لم يبتل الله أهل الخليج بشر أكبر من شر وسائل "التفاصل" الاجتماعي، ولم تخرج فتنة أعظم منها منذ فتنة النفط، وهي- أي فتنة النفط - التي لم يرعها البعض حق رعايتها، ولم يقدّروها حق قدرها، فذهب الذهب الأسود، وبقيت آثاره السوداء شاهدة عليه إلى يوم القيامة، به أشعلوا الحروب، وبه موّلوا الانقلابات، وبه استقووا على بعضهم البعض، وبه أعانوا عدوّهم عليهم!!

أما وسائل "التفاصل" الاجتماعي فلم تكن أقل شراسة منه، ولم يسلم من شرّها أحد، ولم تنجو منها دولة، حتى أصبح "التويتر" مثلا ساحة لحروب باردة تدور في الخفاء، وتُرسَل من خلاله الرسائل المبطّنة، وتُبَث التهديدات، وتُرتَكب عبره جرائم صامتة أداتها التحريض والعبث بمشاعر الشعوب، ودس السم في العسل لعقولهم، وتحاك من خلاله الدسائس والمؤامرات لتفريق الدول الخليجية، وشق الصف بين أبناء العمومة وأخوّة الدم والتراب الواحد.

وانبرى البعض للكر والفر، والصد والرد على المغرّدين أو لنسمهم "الناعقين"، وظهر ما يُسمّى بالذباب الإلكتروني المجنّد سياسيًا والذي يتحدث باسم أشخاص موجَهين عبر أجهزة استخبارات دولهم، مهمتهم الأولى والأخيرة الرد على الخصوم، وصد كل هجوم، والتمهيد لمؤامرة ما لدولة أخرى، ويظهر الفرد في تلك الحالات بألف "معرّف" يرسل من خلاله تغريداته، أو نعيقه، وينشر عبرها الأكاذيب والإشاعات المرجفة، ولا يترك فرصة أو مناسبة الا وتسلّل منها، وبث فيها سمومه، ونفث فيها من قيحه وصديده، ويقوم باستفزاز الفريق "الخصم"، ليثير غريزته، وعاطفته فيرد عليه، في لحظة غضب ينسى هذا الخصم أنه يحارب عدوا وهميا لا يعرف من هو، ولا من أين يأتي، وتبدأ معركة كلامية لا حدود لها، تصل إلى درجة شتم الدول والحكام والشعوب، وتستخدم أقبح العبارات وأقذرها، بينما يبقى الفاعل أو المجرم الحقيقي غائبا ومجهول الهويّة والانتساب، يجلس خلف لوحة مفاتيح الحاسوب كجبان لا ترى وجهه، ولا تشاهد إلا غباره ولا يترك إلا آثاره، لا يبالي بنتائج أفعاله، وما تسببه كلماته من  ندوب نفسية مزمنة.

وانجرف بعض كتّاب السلطنة ومغرّديها ـ للأسف ـ لهذه المعارك الكلامية، وخرج البعض منهم في تدويناته ينظّر، ويفتي بغير علم، ويُهاجم كل من ذكر السلطنة بسوء، أو نال من تاريخها، أو مفكريها، ونسي هؤلاء المغرّدين العمانيين أن الفريق الذي يهاجمونه لن ينقطع، وسيظل السجال غير الفكري، وغير الممنطق سبيلا ووسيلة يلجأ إليها أصحاب العقول المسطّحة والساذجة لبيثوا افتراءاتهم بغير دليل، لا يملكون غير الكلام المرسل، وتزوير الحقائق، وتلفيق التهم، و.."لو كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار".

الجميع يعي حرج المرحلة، وشدة الفترة، ويعلم هرجها ومرجها، وتشابك خيوطها، وما تسعى إليه بعض الدول، ومخططاتها الظلامية، ولكن هناك في المقابل وعي بضرورة الحفاظ على الجبهة الداخلية مُتلاحمة ومتراصة، وبعيدة عن التشويش والإرباك، وأهمية إعلاء صوت العقل والمنطق، وقراءة التاريخ من أوجهه المتعددة، وأنه مراحل ضعف وقوة، ومد وجزر، وتمدد وانحسار، وأن الجغرافيا والتاريخ تقودان إلى مصير واحد، ونفق واحد، لذا يجب التحلّي بالعقلانية في مواجهة خفافيش الظلام المندفعين، والذين يسعون لضرب عُرى التواصل الاجتماعي بين الشعوب، وتفريق شمل الأخوة، وتفتيت أوصال ووشائج القربى بين أبناء دول الخليج، لذا يجب أن يكون هناك صوت عاقل وسط ضجيج الأقلام المأجورة، والأصوات المجنونة..فذلك قد يكون أكثر نفعًا في بعض الأحيان التي يتساوى فيها صوت العواء، وهدير المدافع.. "فلنحاول" أن نكون نحن العقلاء حين لا يمس الأمر ثوابت الوطن ومكتسباته الحقيقية.

حمى الله الخليح وشعوبه من فتنة "التفاصل" الاجتماعي البغيضة، وجنبنا شرورها وشررها.

Samawat2004@live.com