السبب الاقتصادي كمبرر لإنهاء عقد العمل

 

نايف بن خالد بن حميد القري

محامي متخصص في قانون العمل

 

قد يحتاج صاحب العمل في بعض الأحيان إلى تخفيض عدد القوى العاملة في منشأته ويرجع ذلك إلى أسباب مختلفة ومتنوعة، فعلى سبيل المثال قد يتعرض صاحب العمل إلى أزمة اقتصادية تجبره على تقليص المصروفات والنفقات بالقدر الذي يجعله قادرًا على البقاء والاستمرار، وفي مثل هذه الحالة قد يكون قرار تقليص عدد العمال خيارًا لا مفر منه وإلا انهارت منشأته وترتب على ذلك تضرر صاحب العمل وكذلك جميع العاملين لديه.

 

في مثل هذه الحالة يكون خيار الاستغناء عن بعض العاملين لديه هو الخيار الأصوب والأسلم لضمان بقاء واستمرارية المنشأة ولإنقاذ باقي العمال من انقطاع مصدر رزقهم. وقد يقول قائل ما الذنب الذي اقترفه مجموعة العمال هؤلاء حتى تٌنهى خدماتهم دون غيرهم ونقول هنا إن المصلحة العامة يجب أن تغلب على المصلحة الخاصة، ومن جانب آخر إن عملية الإنهاء هذه وفق أغلب التشريعات تقترن بضوابط وبحقوق وواجبات وليست عشوائية فيتعين أن يٌمنح هؤلاء العمال حقوقا معينة تخفف من آثار القرار عليهم كما سنتطرق له في مقال لاحق. هذا ما يطلق عليه السبب الاقتصادي لإنهاء علاقة العمل وهو سبب مبرر لإنهاء علاقة العمل.

ذهبت بعض التشريعات إلى أبعد من ذلك وتوسعت في مفهوم السبب الاقتصادي المبرر لإنهاء عقد العمل، فلم يقتصر مفهومه لديها على حالات الخسارة والأزمات الاقتصادية فحسب بل اعتبروا أن هذا السبب قد يتوفر حتى في حالات الرخاء الاقتصادي لدى المنشأة، فدخول الآله والتكنولوجيا في الصناعات والمصانع قد يؤدي إلى إحلال الآلة مكان الأشخاص، وقد يكون صاحب العمل مضطرا إلى عملية الإحلال هذه نظرا للطبيعة التنافسية في الكثير من الأنشطة فكما هو معلوم أن إنتاجية الآلة أسرع وأجود من إنتاجية الإنسان وأن صاحب العمل إن أراد مواكبة السوق لابد له من اتخاذ هذه الخطوة. كذلك ونتيجة للتطور السريع في مختلف جوانب الحياة قد يصبح أحد الأنشطة التي يمارسها صاحب العمل غير ذي جدوى كأن يكون المنتج الذي يصنعه قد عفا عليه الزمن ولم يعد له استخدام من قبل المستهلكين، الأمر الذي يجبر صاحب العمل على إغلاق هذا النشاط مما يترتب عليه تسريح العاملين لديه في هذا النشاط تحديدًا وهو ما يعد أيضًا صورة من صور إنهاء علاقة العمل لسبب اقتصادي.

بالنظر إلى الحالات سالفة الذكر نجد أنها حالات واقعية لايخلو منها أي سوق عمل،عليه يتعين تدخل المشرع في أي بلد بوضع الأحكام والضوابط التي تكفل حقوق والتزامات طرفي علاقة العمل في حال توفر السبب الاقتصادي وذلك لضمان حماية العمال من التعسف وكذلك لحماية مصالح أصحاب العمل بالشكل الذي يحقق العدالة ويُحافظ على سلامة الاقتصاد.

لقد وضعت تشريعات الكثير من الدول أحكاما وقوانين متفاوتة فيما يتعلق بضوابط السبب الاقتصادي كسبب مبرر لإنهاء علاقة العمل إلا أن التشريع العماني قد خلا من أية أحكام في هذا الشأن وبسبب الفراغ التشريعي في هذه الجزئية المهمة لم يكن تعامل القضاء العماني مع هذه الحالات سهلاً وواضحاً فلا يوجد حتى الآن معايير محددة وأحكام دقيقة تنظم عملية الفصل لأسباب اقتصادية بل لا يوجد تحديد واضح لمفهوم السبب الاقتصادي كسبب مبرر لإنهاء علاقة العمل، الأمر الذي جعل معظم الأحكام القضائية تعتبر الفصل المستند إلى سبب اقتصادي فصلاً تعسفياً حتى في ظل توفر السبب الاقتصادي الحقيقي في بعض الأحيان في حين أن للسبب الاقتصادي خصوصية توجب التعامل معه بشكل مختلف من حيث الحقوق والواجبات. وقد أكدت المحكمة العليا الموقرة في الطعن رقم 396/2015 بجلسة 29 فبراير 2016، وجود فراغ تشريعي في هذه الجزيئة وناشدت المشرع استحداث نص يعالج هذه المسألة مع تحديد الضوابط الواجب اتباعها في هذا الشأن.

وكان المأمول من المحكمة العليا الموقرة التدخل السريع بوضع مبدأ قضائي يتضمن تحديد مفهوم ومعايير السبب الاقتصادي كسبب مبرر لإنهاء علاقة العمل وكذلك الإجراءات الواجب اتباعها من قبل كل من العامل وصاحب العمل في حال توافر السبب الاقتصادي، وذلك ريثما يأتي المشرع بنص قانوني يحكم الأمر.

سنتطرق بإذن الله في المقال القادم إلى ماهية المعايير والحقوق والواجبات المرتبطة بالسبب الاقتصادي المبرر لإنهاء علاقة العمل.

naif@mohammedibrahim.net

 

تعليق عبر الفيس بوك