كراكيب.. كراكيب


عادل رشاد جاد – مصر


خبير مناهج تربويّة – وزارة التعليم المصرية
في زيارة لمنزل صديق إنجليزي يسكن في بيت ريفي في ضواحي نورفولك بشمال إنجلترا ذات مرة لفت نظري لأول مرة شئ غير معتاد عندنا نحن قاطني هذه البقعة من الشرق وهو أن الشقة شبه فارغة فلا مزيد من المقاعد أكثر من المعتاد استخدامه ولا مزيد من الكتب في  المكتبة إلا ما يقرأ فعليا ولا مزيد حتي من الملابس إلا ما يستعمل بشكل منتظم, كذلك الأدوات والأقلام والأحذية والأطباق وأدوات المطبخ والكثير الكثير من الأغراض التي لا يوجد منها في المنزل إلا للضرورات أو توجد زيادات لا تكاد تذكر مع إن هذا الصديق لم يكن فقيرا؛ بل هو بمقاييس الدخل والمعيشة عندنا هو إنسان من أسرة ميسورة الحال أو هو ثري نوعا ما, إلا أن نقاشا دار بيني وبينه علي أثر هذه الملاحظة ولماذا هو مقل في اقتناء الأغراض التي قد يحتاج إليها فيما بعد وكان ملخص تبريراته أنه لاحاجة له لاقتناء شئ هو ليس في حاجة ماسة له الآن وليس مضطرا أن ينفق ماله ووقته في شئ ليس له ضرورة الآن، ثم إنه لايحب أن يكون في حياته شئ لا يحتاج إليه, عندها ترددت هذه المقولة في عقلي مرات ومرات وأن استرجع الكثير من تفاصيل حياتي الشخصية وحياتنا نحن كشرقيين ولماذ نرى منازلنا متحفة ومكتظة بما لا فائدة منه لمجرد أنه قد يأتي يوم نستفيد فيه منه ولماذا أسطح منازلنا مليئة بأغراض لم نعد في حاجة إليها ولماذا في مطابخنا وغرف نومنا أدوات وملابس لم نعد في حاجة إليها, وحتي قوائم أصدقائنا فيها الكثير والكثير ممن لم نعد نهتم لامرهم أو يهتمون لأمرنا وليس في هذا مدعاة للنفعية أوالبراجماتية بقدر ما هو إيمان عميق بأن الحياة أقصر من أن ترضي الكثير من البشر ولا تكفي للاستفادة مما أجلناه الآن في الوقت الذي نجد أنفسنا مقصرين مع من هم أحوج إلينا ونحن أحوج إليهم, فحتي الأصدقاء والمعارف هناك الكثير منهم عبءٌ علينا وليسوا إلا كراكيب لا قيمة لهم في حياتنا، ولماذا يجب علينا الانتظار لوقت المحن والفتن وتغير الأحوال حتي ندرك من يستحق صداقاتنا ومن لا يستحق, ولماذا يجب علينا الاحتفاظ بمعرفة من هم ليسوا إلا كراكيب سواء كان ذلك في أرض الواقع، أو ممن نعتبرهم أصدقاء افتراضيين على مواقع التواصل, وعندما تفحصت ما كنت أزعم أنهم أصدقاء وجدت أن من أحب وأسعد بصداقاتهم وأستطيع إفادتهم، أو الاستفادة منهم ليسوا إلا قلة قليلة يمكن إحصاؤها علي أصابع اليد الواحدة, وإذا نحن توسعنا في تطبيق هذه القاعدة لوجدنا حتى في جانب المعرفة والعلوم ما هو علم لا ينفعن ولكن لا يضرنا الجهل به، بل إن من بعض العلم والمعرفة ما ضرره أكثر من العلم به؛ فالمعرفة في الأصل هي نتاج الفضول الذي قد يكون مفيدا لصاحبه ومعينا له في دنياه وأخراه ومما لايسعه الجهل به كعلمه بواجباته تجاه الله وأهله وأمته، وكذلك علمه بحقوقه عند المحيطين به, لكن هذا لا ينفي ولا يتنافي مع إن من العلم ما قد يوقع صاحبه فيما لا يطيق ولنا أن نتذكر الآية (101) من سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) فليس أهلَكَ للإنسان من فضولٍ في معرفة واستكشاف أمر محرَّم, وذلك لأن معرفة الإنسان ببعض الأمور قد توقعه في حرمة ما قد يعذر بجهله.

 

تعليق عبر الفيس بوك