أهمية الجمعية العمانية اللوجيستية

منصور القاسمي *


يعدُّ إشهار الجمعية العمانية اللوجستية في مايو من هذا العام، وبموجب القرار الوزاري من قبل وزارة التنمية الاجتماعية رقم 32/2018، وانتخاب مجلس إدارة الجمعية، خُطوة جديدة لمرحلة مهمة في سبيل دعم التوجهات الحكومية لتطوير القطاع اللوجيستي في السلطنة، والتحديات التي تواجهه، ومستوى الطموح والمستقبل، والرغبة الأكيدة في أن تحتل السلطنة مراكز متقدمة بمؤشر الأداء اللوجيستي وتحقيق رؤية عمان 2040-2020.
أعضاء مجلس إدارة الجمعية العمانية اللوجيستية هم نُخبة من الكوادر الوطنية المتخصصة بالإدارة اللوجيستية، وأصحاب خبرة متميزة، وشُعلة من العطاء في خدمة هذا القطاع.
وتهدفُ الجمعية إلى تقديم الدعم والتوجيه لكافة الشركات والمؤسسات العاملة في القطاع اللوجيستي، وربطها ببعض، والعمل على الالتزام بالقوانين والنظم المعمول بها في السلطنة، والمساهمة مع جهات الاختصاص في وضع خطط وبرامج تشغيل القوى العاملة الوطنية المتخصصة في القطاع اللوجيستي، وتدريبها وتطوير قدراتها، بما في ذلك نشر ثقافة العمل اللائق، والتدريب على رأس العمل، والمساهمة في وضع وتطوير المعايير المهنية والممارسات الدولية المرتبطة بالقطاع اللوجيستي، وتوفير السلامة المهنية في مواقع العمل، وحماية العاملين والمحافظة على البيئة، والتعاون مع الجهات ذات الاختصاص في كافة الأمور المتعلقة بالخدمات اللوجيستية وتطويرها. ومن جهة أخرى، تشجيع استثمار رؤوس الأموال اللوجيستية، وتبادل الخبرات والكفاءات والممارسات الجيدة والتطبيقات المناسبة بما يخدم هذا القطاع، ووضع الخطط في تطوير سياسة الارتقاء بأداء الجهات المختصة والشركات والمؤسسات اللوجيستية العمانية، بما يتيح للسلطنة تبوُّء المراكز المتقدمة في المؤشرات اللوجيستية العالمية، وتطوير أداء القطاع اللوجيستي، وفقا للضوابط المعمول بها في البلاد.
بلا شك الجمعية غير ربحية، وتحتاج إلى الكثير من الدعم والمساهمات لتستمر في تحقيق أهدافها، وبالمقابل التحدي واضح وكبير، والإمكانيات والظروف مساندة لتحقيق الطموح؛ فأصبح لِزَاما علينا جميعًا التكاتف مع الجمعية لتحقيق أهدافها، خصوصا رغبة هذا القطاع في التطور والارتقاء، والتي تتماشى مع نهج وسياسة الحكومة وإستراتيجياتها. وما نرجوه هنا أنْ تكون الجمعية الذراع الاستشارية اليُمنى للمجموعتين: المجموعة العمانية اللوجيستية "أسياد"، والمجموعة العمانية للطيران، إذ تعتبر هاتان المجموعتان شركات حكومية تُسهم الحكومة في ملكيتها، وتضمان تحت مظلتهما الكثير من الشركات والمؤسسات العاملة في القطاع اللوجيستي، وأيضا لتكون رافدا وداعما أساسيا لأنشطة الجمعية.
وما الاهتمام البالغ من قبل حكومتنا الرشيدة لتطوير هذا القطاع إلا ترجمة للتوجيهات السديدة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -يحفظه الله ويرعاه- في أن تكون السلطنة واحدة من بين أفضل 30 دولة على مستوى دول العالم في المجال اللوجيستي بحلول العام 2020م، وأفضل 10 دول بحلول العام 2040م. الجدير بالذكر أن حكومتنا تعول كثيرا على هذا القطاع في قيادة دفة التنويع الاقتصادي والناتج المحلي مستقبلا؛ كونه يربط بين القطاعات الأخرى المتعلقة به كالقطاعات الصناعية والتحويلية والسياحية والزراعية والمالية والاستيراد والتصدير...وغيرها من القطاعات الأخرى، ونجاحه يعزز متانة واستدامة اقتصادنا الوطني.
وهذا كله لن يتأتى دون التركيز على مخرجات التعليم العالي، وتطوير الموارد البشرية وتدريبها وتشغيلها بما يتناسب والمرحلة المقبلة، علما بأنَّ هذا القطاع سوف يوفر ما لا يقل عن 30 ألف وظيفة شاغرة حتى العام 2020-2030، وفي مختلف المهن اللوجيستية. وعندما نتحدث هنا عن آلية التشغيل أو التوظيف نجد الكثير من حالات عدم الرضا في طريقة تخطيط واختيار وتوزيع تلك الكوادر البشرية الضخمة للعمل في سوق العمل المختلفة، مُسبِّبة بذلك إرباكا حقيقيا للأرقام والمستويات والكفاءات، قد تؤثر تأثيرا مباشرا على أهم مؤشر في الأداء اللوجيستي، والذي جميعنا نسعى إليه، ألا وهو كفاءة جودة الخدمات اللوجيستية، وهي أحد المؤشرات الأساسية للارتقاء للمراكز المتقدمة.
أرقام الباحثين على عمل بالسلطنة في تزايد مستمر من خلال سجلات الهيئة العامة لسجل القوى العاملة والجهات المختصة، ما نحتاجه هو إعادة نظر في مستقبل مخرجات التعليم، وما نرجوه هنا من الجمعية العمانية اللوجستية الكثير من الجهد لصياغة هذا المستقبل الذي نبني عليه الآمال، بدءًا من التخطيط الإستراتيجي لحاجة سوق العمل العماني لتلك الوظائف المهنية، والعمل الجاد على إعداد الدليل المهني لمسميات جميع الوظائف والمهن اللوجيستية المختلفة مع درجاتها المالية المختلفة، والتنسيق مع المؤسسات المعنية كوزارة التعليم العالي لطرح تخصصات يحتاج إليها سوق العمل، والتوقف عن طرح التخصصات التي تشبَّع بها السوق، واستشراف المستقبل بتخصصات ومهن مختصة بالتكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي لتواكب مسيرة التطور اللوجيستي بالعالم.
يتمتَّع سوق العمل العماني بالموقع الإستراتيجي للسلطنة، ويحظى بمواقع تشغيلية مختلفة ومحفزة، تحتاج إلى كوادر مؤهلة؛ منها: المطارات والموانئ والمناطق الصناعية كالدقم وصحار ومسقط وصلالة وصور وبركاء والمؤسسات اللوجيستية والمخازن المنتشرة والمصانع وشركات النفط والغاز، والمؤسسات المدنية والعسكرية والدوائر الحكومية وشركات الاستيراد والتصدير، كل هذه المؤسسات مواقع تشغيلية مستمرة في عملياتها، كالتصنيع، والإنتاج، والمشتريات، وإدارة سلسلة التوريدات، والعقود، وتخطيط الجرد، والتنسيق اللوجيستي، وإدارة المخزون، وأمناء مخازن، وإدارة النقل والمواصلات، والتحميل والتوزيع، والاستلام والتحويل، ومشغل الرافعات الشوكية وحاويات الموانئ، والاستيراد والتصدير، وإدارة الجمارك، والتفتيش، وإدارة البرامج اللوجيستية التكنولوجية، وإدارة التخطيط لبرامج المشاريع، وإدارة تخطيط موارد المواد، وإدارة أنظمة صيانة الأصول والمعدات، وإدارة المستودعات المختلفة...وغيرها الكثير من المهن اللوجيستية، ولكن للأسف نتفاجَأ بأن كل هذه المهن غير مسجلة بأنظمة جهات الاختصاص لوزارة القوى العاملة؛ وبالتالي غير مُدرجة في نظم ومعلومات البيانات الشخصية للفرد والمجتمع وتخصصه المهني، وتبيَّن للكثير من مخرجات التعليم العالي أن بعض التخصصات الأكاديمية تكون معتمدة لدى وزارة التعليم العالي ولكن للأسف غير مدرجة على قائمة التصنيف المهني في نظام وزارة القوى العاملة! فمثلا تخصُّص إدارة الأعمال ونظم المعلومات في مساق الإدارة اللوجيستية غير مُصنَّف بشمولية في سجلات الوزارة، ويتم التسجيل بتصنيف فردي: إدارة أعمال أو نظم المعلومات أو الإدارة اللوجيستية.
ما علينا إلا أنْ نكون أكثر جدية ووضوحا في عملية تأهيل وتشغيل وتدوير هذه الكوادر ومخرجات التعليم، وربطها بآلية عمل واضحة في سوق العمل العماني، والسعي نحو طرح نظام مبتكر لتشغيل مخرجات التعليم بصورة شفافة، وسد حاجة سوق العمل بكوادر مؤهلة ذكية، وإدراج الكثير من المهن في نظام وزارة القوى العاملة في سبيل تطوير القطاع اللوجيستي بالسلطنة.

* أكاديمي متخصص في اللوجيستيات

تعليق عبر الفيس بوك