تنمية بلا قروض

محمد السالمي

 

كثيرا ما يُثار الجدل حول عزم الدول الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية والمتمثلة في البنك الدولي، وصندوق النقد ونادي باريس للدول الدائنة...وغيرها من المؤسسات الدولية. حيث يُنظر إلى هذه المؤسسات على أنها وحش هائج ينقض على المقومات الاقتصادية للدولة، وتصبح عاجزة لتحقيق النمو الصحي، والأمثلة عديدة؛ أبرزها: إفريقيا. وفي المقابل، بعض الدول شهدت طفرة تنموية مثل دول جنوب شرق آسيا وبالأخص كوريا الجنوبية وسنغافورة. ولكن السؤال الأهم متى يصبح الاقتراض عبئاً ثقيلاً على الدولة.

أكثر ما يستوقفنا هو اعتياد البعض ربط نموذج هذه المؤسسات الدولية بهجوم رئيس الوزراء الماليزي محمد مهاتير عليهم. حيث وصفهم بأنهم مؤسسات ربحية بحتة همها الأكبر تحصيل الفوائد بدلا من العملية التنموية. وفي المقابل، يركز مهاتير على أهمية قوة المؤسسات وكفاءتها، وأنها عنصر رئيس في تجاوز العوائق الاقتصادية.

تُعد إفريقيا أبرز الأمثلة على فشل المساعدات الدولية في دفع العجلة التنموية. وتُعتبر المساعدات الإنمائية ضرورية لمساعدة الدول النامية الفقيرة على الخروج من الفقر. فعلى الرغم مما تمتاز القارة السمراء من وفرة في الموارد الطبيعية، لا تزال أغلب هذه الدول تعاني من ترهل في البنى الأساسية ومستوى المعيشة؛ حيث تم إنفاق ما يزيد على 300 مليار دولار، ولا تزال التنمية دون المستوى المطلوب. ترجع أسباب الفشل لعدة عوامل؛ أبرزها: المؤسساتية والجغرافية والقبلية. لو تمعنا في النظر في العامل المؤسساتي والمتمثلة في المؤسسات (القضائية والتعلمية والصحية..إلخ)، نجد ترهلا عاما في الأداء و الفساد المنتشر.

الرجوع قليلاً لفترة ما بعد الحرب، ظهرت على الطاولة خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا؛ حيث البنى الأساسية في القارة العجوز مدمرة نتيجة الحرب العالمية، ولكن لماذا حققت المساعدات أهدافها في أوروبا؟!. فالمؤسسات لم تكن غائبة، فالنظام القضائي والتعليمي والصحي...إلخ لا يزال يعمل، وإنما هذه القروض موجهة لإعادة إعمار البنى الأساسية، وليس لإعادة إحياء المؤسسات. في الجهة المقابلة من الكرة، وتحديداً في كوريا الجنوبية وسنغافورة من أبرز الأمثلة على نجاح نظام المساعدات للدول النامية. فكثيراً ما يسلط الضوء على المعجزة الاقتصادية المحققة لهاتين الدولتين. ولا يقصد بكفاءة المؤسسات أي اتباع النظام الديمقراطي والحرية. وإنما قدرة المؤسسات على تنفيذ المهام المنوطة بها. ففي كوريا، يرجع الفضل في التنمية الاقتصادية الشاملة للرئيس بارك تشونج هي، على الرغم من تاريخه المشوب بالديكتاتورية. في الجهة الأخرى، أكثر من 50% من الدول الافريقية تجري فيها انتخابات ديموقراطية ولاتزال تحت براثن الفقر.

متى يكون الاقتراض الأمثل؟ عند التأمل في مستوى الفرد عند بناء منزل له فإنه مخير بين أمرين: إما الادخار، وبناء المنزل على مراحل، أو الاقتراض. فاتخاذ قرار الاقتراض يستوجب سداد القرض مع الفوائد، فعلى الشخص الاقتراض بحكمة مع الاخذ بالحسبان مستوى الدخل ونوع البناء، وكذالك الحال مع الدول في نوع المشاريع والقدرة على السداد والنمو المأمول منه. أما بالنسبة للشروط، فهي تختلف مع التصنيف الائتماني للدولة. فالدول ذات التصنيف العالي عادة ما تكون شروط الاقتراض مُيسرة، بخلاف الدول ذات التصنيف المنخفض حيث الشروط صعبة، وقد تمثل عبئاً على المواطن.

تعليق عبر الفيس بوك